- الإهدائات >> |
غزوة أحد
خرج مشركو قريش من غزوة بدر وقد وهنت قواهم؛ حيث فرَّق المسلمون شملهم، وقتلوا أشرافهم، وأضعفوا شوكتهم بين قبائل الجزيرة العربية، فكان لابد لهم من الثأر، ورد الهزيمة على المسلمين، وكسر شوكتهم، فجمع أبو سفيان ثلاثة آلاف مقاتل من قريش وكنانة والأحابيش (حلفاء قريش)وخرجت معهم النساء ليشجعن الرجال على القتال، ومن بينهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، وكان قلبها يشتعل بنار الألم لمقتل أبيها وأخيها في غزوة بدر، ونظَّم الكفار جيشهم فجعلوا قيادة الجيش لأبي سفيان، وقيادة الفرسان لخالد بن الوليد، ومعه عكرمة بن أبي جهل.
وتوجه الجيش إلى المدينة، وعلم المسلمون بتحرك المشركين وقدومهم إليهم فحملوا أسلحتهم، والتفوا حول نبيهم، وظلوا حارسين لمدينتهم ليل نهار، وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم يجمع أصحابه، ويستشيرهم في الأمر، فرأى بعضهم ألا يخرج المسلمون من المدينة، وأن يتحصنوا فيها، فإذا دخلها المشركون قاتلهم المسلمون في الطرقات وحصدوهم حصدًا، فهم أعلم بمسالك مدينتهم ورأى البعض الآخر -وخاصة الذين لم يشهدوا القتال يوم بدر- أن يخرجوا لملاقاة المشركين خارج المدينة.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم من أصحاب الرأي الأول، ومع ذلك وافق على الرأي الثاني؛ لأن أصحاب هذا الرأي ألحوا عليه، ولم يكن الوحي قد نزل بأمر محدد في هذا الشأن، ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم بيته ولبس ملابس الحرب، وخرج إلى الناس، وشعر الصحابة الذين أشاروا على الرسول صلى الله عليه وسلمبالخروج بأنهم أكرهوه على ذلك، فقالوا له: استكرهناك يا رسول الله، ولم يكن لنا ذلك، فإن شئت فاقعد (أي: إن شئت عدم الخروج فلا تخرج) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته (أي درعه) أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه) _[أحمد].
وخرج النبي صلى الله عليه وسلممن المدينة في ألف من أصحابه، في شوال
سنة ثلاث من الهجرة، حتى إذا كانوا بين المدينة وأُحُد، رجع عبد الله بن أُبي بن سلول بثلث الجيش، وتبعهم عبد الله بن حرام يناشدهم الله أن يرجعوا، ولا يخذلوا نبيهم، وينصحهم بالثبات، ويذكرهم بواجب الدفاع عن المدينة ضد المغيرين، ولكن الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر لم يكن ثابتًا في قلوبهم، ولذلك لم يستجيبوا له، وقال ابن سلول: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، فنزل فيهم قوله تعالى: {وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ للإيمان} [آل عمران: 167].
واختلف المسلمون في أمر هؤلاء المنافقين، ففرقة منهم تقول نقاتلهم، وأخرى تقول دعوهم، فنزل قوله تعالى: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله} [النساء: 88] وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطى اللواء مصعب بن عمير، واستعرض النبي صلى الله عليه وسلم الجيش يومئذ، فرد الصغار الذين لا يقدرون على القتال، وكان منهم يومئذ: عبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم وعمرو بن حزم.
وهذا رافع بن خديج عمره خمس عشرة سنة يريد أن يشارك في المعركة، فيلبس خفين في قدميه ليبدو طويلا، فلا يرده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوسط له عمه ظهير، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجيد الرماية، فقبله وعندئذ قال سمرة بن جندب: أجاز الرسول صلى الله عليه وسلم رافعًا وردني وأنا أقوى، وأصرع رافعًا وأغلبه، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصارعه، فغلب سمرة رافعًا، فقبله الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان الفتى المسلم الصغير يحرص على التضحية بروحه من أجل دينه والدفاع عنه.
واقترح بعض الصحابة الاستعانة باليهود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك) _[ابن سعد] وعسكر المسلمون في شِعْبٍ في جبل أُحُد، وجعلوا الجبل خلف ظهورهم، واختار الرسول صلى الله عليه وسلم خمسين رجلا يحسنون الرماية، وجعل عبد الله بن جبير قائدًا عليهم وقال لهم: (لا تبرحوا (لا تتركوا) مكانكم؛ إن رأيتمونا ظهرنا عليهم (انتصرنا) فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا) _[البخاري].
وهكذا أغلق الباب أمام التفاف الأعداء حول جيشه، وحمى يمينه بالجبال، وفي صباح يوم السبت السابع من شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، بدأت المعركة وانقض المسلمون على المشركين، فقتلوا حملة لواء المشركين، فكانوا يسقطون واحدًا بعد الآخر حتى سقط اللواء ولم يجد من يحمله، وكان الفارس الشجاع حمزة بن عبد المطلب -عم النبي صلى الله عليه وسلم- ينقض بسيفه على المشركين، فيطيح بهم، وكان وحشي بن حربينظر إلى حمزةمن بعيد ويتبعه حيث كان، ذلك لأن سيده جبير بن مطعم بن عدي الذي قتل عمه
طعيمة بن عدي يوم بدر قال له: اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمِّي، فأنت عتيق (حر).
وكان وحشي عبدًا حبشيًّا يقذف بالحربة بمهارة شديدة، فقلما يخطئ بها
شيئًا، فاقترب وحشي من حمزة، ورماه بالحربة فأصابته، لكن حمزة لم
يستسلم، بل توجه إلى وحشي ودمه ينزف بغزارة، فلم يستطع الوقوف على قدميه، فوقع شهيدًا في سبيل الله، وسيطر المسلمون على المعركة، وأكثروا القتل والأسر في جنود المشركين، وحاول المشركون الفرار، فذهب المسلمون
وراءهم، فكان المشركون يتركون متاعهم وسلاحهم لينجوا من القتل.
وكان الرماة على الجبل يشاهدون المعركة، فظنوا أنها قد انتهت بانتصار المسلمين؛ فتركوا أماكنهم، ونزلوا من فوق الجبل ليشاركوا في جمع الغنائم فتركوا ظهر المسلمين مكشوفًا لعدوهم، فانتهز خالد بن الوليد قائد فرسان المشركين فرصة الخطأ الذي وقع فيه رماة المسلمين، فاستدار وجاء من خلف الجيش، وقتل من بقى من الرماة ،فاختل نظام المسلمين وارتبكوا، ونجح المشركون في قتل كثيرين منهم.
كل هذا البلاء لأن بعض الرماة خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبدَّل الحال، وركز المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه ولكنه صلى الله عليه وسلم ثبت لهم، وأخذ يدافع عن نفسه، وحوله بعض الصحابة مثل: طلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما-.
وكانت المرأة الأنصارية الشجاعة نسيبة بنت كعب تدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم كالرجال، حتى نجي الله رسوله صلى الله عليه وسلم من الموت، ولكنه تعرض لإصابات كثيرة في ركبته، ووجهه، وأسنانه، وسال الدم على وجهه الشريف، فأخذ يمسح الدم وهو يقول: (كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم (غَيَّروا لونه للاحمرار من كثرة الدم) وهو يدعوهم إلى ربهم) _[أحمد].
وعندما فشل المشركون في قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أشاعوا أنمحمدًا قتل، لكي يؤثروا في عزيمة المسلمين، ويثيروا الذعر بينهم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أصحابه: (هلم إلى عباد الله) فاجتمع حوله عدد من أصحابه، وارتفعت روحهم المعنوية، وظل النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثبت معه في أرض المعركة، بل قاتلوا حتى اللحظة الأخيرة، إلى أن اكتفت قريش بما حققت وانصرفوا بعد انتهاء المعركة.
ولما انقضت الحرب، صعد أبو سفيان على مكان مرتفع، ونادى في المسلمين: أفيكم محمد؟ فلم يرد عليه أحد، فقال: أفيكم أبو بكر؟ فلم يرد عليه أحد، فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يرد عليه أحد، فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا، فلم يتمالك عمر نفسه، فرد عليه قائلا: يا عدو الله، إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقي الله لك ما يسوءك، ثم قال أبو سفيان أُعل هُبَل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تجيبونه؟) قالوا: ما نقول؟ قال صلى الله عيه وسلم: (قولوا الله أعلى وأجل) ثم قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا تجيبونه؟) فقالوا: ما نقول؟ قال صلى الله عليه وسلم: (قولوا الله مولانا ولا مولى لكم) _[البخاري].
وعاد المشركون إلى بلدهم، وقد انتشرت في ساحة القتال جثث شهداء المسلمين وقتلى الكفار، وقد ارتوت الرمال بدماء الشهداء الطاهرة التي أريقت من أجل الإسلام، فياله من مشهد حزين!! سبعون شهيدًا من المسلمين، واثنان وعشرون قتيلا من المشركين، وحزن المسلمون حزنًا شديدًا على شهدائهم، ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينًا ينظر إلى جثة عمه حمزة -رضي الله عنه- وقد مثل به الأعداء، فأقسم لَيُمَثِّلَنَّ بسبعين من الكفار إن نصره الله عليهم بعد
ذلك، فنزل قول الله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} [النحل:126].
صور بطولية من المعركة:
تجلت صور رائعة من البطولة والشجاعة والإيمان لرجال ونساء المسلمين في غزوة أحد، وكذلك حدثت بعض المعجزات، لتكون عظة وذكرى وتبصرة
للمؤمنين، فهذا أبي بن خلف يقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد حلف أن يقتله، وأيقن أن الفرصة قد حانت، فجاء يقول: يا كذاب، أين تفر؟ وحمل على الرسول صلى الله عليه وسلم بسيفه، فقال صلى الله عليه وسلم: (بل أنا قاتله إن شاء الله) وطعنه صلى الله عليه وسلمطعنة وقع منها، فما لبث أن مات. [البيهقي}
ويمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفه قبل بدء المعركة ويقول: (من يأخذ هذا السيف بحقه؟) فتأخر القوم، فقال أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أن تضرب به في العدو حتى ينحني) فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فأعطاه إياه. [مسلم] وكان أبو دجانة رجلا شجاعًا يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها فإنه يقاتل حتى الموت، فأخذ
أبو دجانة السيف وهو يقول:
أنـا الذي عَاهَـدني خَليلـي ونَحـنُ بالسَّفـْحِ لـَدي النَّخيــل
ألا أقُـوم الدَّهـرَ في الكُيـول أضْـربُ بسيــف اللـهِ والرسول والكيبول
هي مؤخرة الصفوف، فكأنه يقول: لن أكون أبدًا إلا في المقدمة ما دمت أحمل هذا السيف.
وأخذ (أبو دجانة) يضرب المشركين بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثناء المعركة رأي أبو دجانة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أصبح هدفًا لنبال المشركين بعد أن فرَّ المسلمون، فأسرع أبو دجانة واحتضن الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار النبل يقع على ظهر أبي دجانة وهو منحن على حتى انتهت المعركة. [أحمد].
ومرَّ (أنس بن النضر) -رضي الله عنه- على بعض الصحابة فوجدهم لا
يقاتلون، وعندما سألهم عن سبب امتناعهم عن القتال، قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أنس: ما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم توجه إلى الله تعالى وقال: (اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء (المسلمون الفارون) وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء أي (المشركون المعتدون) وظل أنس يقاتل حتى قتل، فوجدوا في جسده بضعًا وثمانين جرحًا ما بين طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم، فما عرفه أحد إلا أخته بعلامة كانت تعرفها في إصبعه.
وهذا غسيل الملائكة (حنظلة بن أبي عامر) الذي تزوج جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وفي اليوم التالي لزواجه يسمع نداء القتال، فيخرج وهو جنب ملبيًا النداء، ويقاتل في سبيل الله حتى يُقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن صاحبكم تغسله الملائكة). _[ابن إسحاق].
وهذا (قتادة بن النعمان) أصيبت عينه، ووقعت على خده، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عينه بيده، وردها إلى موضعها، وقال: (اللهم أكسبه جمالاً) فكانت أحسن عينيه، وأحدَّهما نظرًا وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى. _[الدارقطني والبيهقي].
وليست النساء أقل بطولة من الرجال، فهذه (صفية بنت عبد المطلب) لما رأت المسلمين قد انهزموا، وفر بعضهم من ميدان المعركة، أمسكت رمحًا تضرب به من فر من المسلمين، وتحثه على العودة إلى القتال، ولما علمت بمقتل أخيهحمزة ذهبت لتنظر إليه، فلقيها : فقال: أي أمه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، قالت: ولِمَ؟ وقد بلغني أنه قد مُثِّل بأخي، وذلك في الله، لأصبرن، وأحتسبن إن شاء الله.
فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبره بذلك، قال: (خلوا سبيلها) فنظرت إليه، فصلت عليه، واسترجعت واستغفرت له. [ابن إسحاق] ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها، وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ذكروا لها ما حدث لأخيها ولأبيها ولزوجها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرًا، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشاروا إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل (صغيرة)!!
وهكذا يسمو حب المسلمين للرسول صلى الله عليه وسلم فوق كل حب، إنه حب يعلو فوق حب الآباء والأبناء والأزواج.
التعديل الأخير تم بواسطة المقصرة في حق الله ; 12-07-2009 الساعة 03:09 PM
شكرا يا قمر على مرورك
شكرا ليكي يا ميني وكمان سوبر وسبايدر علشان متزعلش بجد انتم رائعين ويا رب على كل حرف جبتوا تاخدوا ميت حسنه
غزوة حمراء الأسدوفي اليوم التالي لغزوة أحد، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالخروج لقتال الكفار وتتبعهم، وقال: (لا يخرج معنا إلا من شهد القتال) فأسرع المسلمون، وأطاعوا رسولهم صلى الله عليه وسلم، رغم ما بهم من آلام وجراح وخرجوا للقتال استجابة لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم، فلقد تعلموا أن الخير كله في طاعته، فمدحهم الله بهذه الطاعة فقال تعالى:{الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم}
[آل عمران: 172].
وفي حمراء الأسد على مسافة عدة أميال من المدينة وقف المسلمون ينتظرون جيش المشركين فمر بهم رجل من قبيلة خزاعة التي كانت تحب الرسول صلى الله عليه وسلم يسمى معبد بن أبي معبد، وكان يومئذ مشركًا، فواسى الرسولصلى الله عليه وسلم فيما حدث للمسلمين، وكان المشركون قد نزلوا في مكان يسمى الروحاء، وبعد أن استراح الجيش بدءوا يفكرون في العودة إلى المدينة.
وأرسل أبو سفيان رسالة يهدد فيها المسلمين في حمراء الأسد ليرعبهم، يزعم فيها أنه قادم للقضاء عليهم، فما زاد ذلك المسلمين إلا قوة وإيمانًا، فقال عنهم الله تعالى:{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل . فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} [آل عمران: 173-174].
ووصلت الأخبار إلى أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة لمطاردة المشركين، وتأكدت الأخبار عندما وصلمعبدوأكدلأبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج لمطاردتهم وقد نزل بجيشه في حمراء الأسد فخاف أبو سفيان وفضل الانسحاب إلى مكة، وأقام المسلمون فيحمراء الأسد ثلاثة أيام ينتظرون قريشًا، ثم عادوا إلى المدينة بعدما أطاعوا نبيهم، وأرعبوا عدوهم واستعادوا الثقة بأنفسهم.
شكرا لمرورك
قبل بعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم كانت البشرية تعيش في ضلالات الجهل والشرك والإلحاد ، وكانت العرب جزءاً من تلك البشرية الغارقة في الانحطاط ، والتي تحتاج إلى من ينقذها وينتشلها مما هي فيه .
كان الجهل فاشياً، والظلم جاثماً، والفوضى ضاربة بأطنابها في كل مكان، حقوق مسلوبة، وأعراض منتهكة، وحياة بغير نظام ولا قانون، ولا تشريع ولا تنظيم، سوى بعض العادات ، والأعراف القبلية .
كان الأمن مفقوداً ، والسلب والنهب أمراً معهوداً ، حياة لا أمان فيها ، ولا استقرار ، فالمقيم مهدد بالضرر، والمسافر في وجل وخطر .
كان القتل ، والنهب ، واعتداء القوي على الضعيف ، وكانت الحروب تنشأ لأتفه الأسباب ، فتزهق النفوس، وترمل النساء ، وييتم الأطفال .
في ظل هذه الظروف وتلك الأوضاع ، وبعد فترة من انقطاع الرسل بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، على رأس الأربعين من عمره ؛ حيث جاءه جبريل وهو في غار حراء بأول ما نزل من القرآن ، فقرأ عليه قوله تعالى : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } (العلق :1) ، ثم توالى نزول القرآن - الكتاب الخاتم - وبدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعوته على مراتب خمس كما ذكر ذلك ابن القيم-رحمه الله- في كتابه "زاد المعاد" : المرتبة الأولى : النبوة ، والثانية : إنذار عشيرته الأقربين ، والثالثة : إنذار قومه ، والرابعة : إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله ، وهم العرب قاطبة ، والخامسة : إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر .
فقام بمكة ثلاث سنوات يدعو إلى الله سراً ، ثم جهر بالدعوة بعد نزول قول الله تعالى : { فاصدع بما تؤمرُ وأعرض عن المشركين } (الحِجِر :94).
لقد كانت بعثته -صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين ، كما أخبر بذلك أصدق القائلين :{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء :107) ، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ( إنما أنا رحمة مهداة ) رواه الحاكم في "المستدرك" ، و البيهقي في شعب الإيمان ، وصححه الألباني .
فمن آمن به وصدقه ، فاز فوزاً عظيماً ، قال تعالى : {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }(الأحزاب :71) .
ومن أعرض عن هدايته فقد ضل ضلالاً بعيداً ، وخسر في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : {ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} (طه :124).
كانت دعوته إلى الإيمان بالله وحده وعدم الشرك به ، وإلى الفضيلة والرشد ، وإلى الأمانة والصدق ، دعوة إلى الخير بكل أنواعه ، وتحذيراً من الشر بكل أصنافه .
إنَّ بعثته - صلى الله عليه وسلم- كانت ميلاداً جديداً للبشرية ، وتاريخاً عظيماً للإنسانية ، قال تعالى :{ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} (الأعراف :158).
فببعثته كَمُلَ للبشرية دينها ، وتم للإنسانية نعيمها ، قال تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (المائدة :3) .
فكان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده جميعاً ، ولن يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه ، قال تعالى:{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (آل عمران : 85).
فكك منى
بعد احداث 25 يناير
بردو فكك منى
فكك منى
بعد احداث 25 يناير
بردو فكك منى
فكك منى
بعد احداث 25 يناير
بردو فكك منى
بعث الرجيع
جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أناس من المشركين من قبيلتي عضل والقارة وطلبوا منه أن يرسل معهم من يعلمهم الدين ويقرئهم القرآن، فاستجاب لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسل معهم عشرة من أصحابه بقيادة عاصم بن ثابت -رضي الله عنه- لعل الله أن يهديهم، وعندما اقترب عاصم وأصحابه من قبيلة هذيل، هجم عليهم هؤلاء المشركون المخادعون، فاستشهد سبعة من المسلمين، ووقع ثلاثة في الأسر، وهم: خبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة
وعبد الله بن طارق -رضي الله عنهم- وأخذهم نفر من قبيلة هذيل، ليبيعوهم في مكة، فأفلت عبد الله بن طارق من قيوده، فلحق به الكفار وقتلوه، وباعوا زيدًا لصفوان بن أمية ليقتله ثأرًا لأبيه أمية بن خلف، واجتمع كفار مكة ليشهدوا قتل زيد، فاقترب أبو سفيان منه، وقال له: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ فأجابه زيد قائلاً: والله ما أحب أن محمدًا صلى الله عليه وسلم الآن في مكانه الذي هو فيه، تصيبه شوكة
تؤذيه، وأني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: ما رأيتُ من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمدٍ محمدًا، ثم قُتل زيد.
أما خبيب فقد اشتراه عقبة بن الحارث ليقتله؛ لأنه قتل أباه الحارث بن عامر
يوم بدر، وخرج به المشركون في مكان واسع، وصنعوا له صليبًا من خشب ليصلبوه عليه، فقال لهم خبيب: إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا وبعد أن صلى آخر ركعتين في حياته قال لهم: أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعًا من القتل لاستكثرت من الصلاة، فكان خبيب أول من سن ركعتين عند القتل، وعندما ربطوه في الخشبة توجه إلى الله تعالى، وقال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا.
وأما عاصم بن ثابت، فقد رفض أن يستسلم للمشركين، وقاتلهم حتى قتل فأرادوا أن يأخذوا رأسه ليبيعوها لسلافة بنت سعد، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن فيها الخمر، لكن النحل تجمع حول جسد عاصم فلم يقدروا على قطع رأسه، فقالوا: دعوه حتى يمسي فيذهب عنه الدبر (النحل) فنأخذه، فبعث الله سيلا في الوادي، فاحتمل عاصمًا، فذهب به، وكان عاصم قد أعطى الله عهدًا ألا يمسه مشرك ولا يمس مشركًا أبدًا، فحفظه الله بعد موته، ولم يسمح للمشركين بمسه.
يوم بئر معونة
رغم ما حدث للعشرة الذين قتلوا في بعث الرجيع، ما زال المسلمون يقدمون أرواحهم في سبيل نشر الدين، فقد باعوا أنفسهم لله تعالى، واشتروا بها
الجنة، فقد قدم عامر بن مالك على رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة، فعرض عليه الإسلام، فلم يسلم ولم يرفض، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد، فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك، فقال صلى الله عليه وسلم: إني أخشى عليهم أهل نجد، فقال عامر: أنا لهم جار (أي: سوف أحميهم).
فبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا من صحابته ليدعوا قبائل نجد إلى الإسلام، فسار الصحابة في الصحراء، وكانوا يجمعون الحطب نهارًا ويبيعونه حتى يكسبوا معاشهم، وينامون بعض الليل، ثم يستيقظون لعبادة الله بقية ليلهم، وظلوا هكذا حتى وصلوا إلى بئر معونة، وهناك أرسلوا أحدهم، ويدعى حرام بن ملحان -رضي الله عنه- برسالة من الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو فيها عامر بن الطفيل إلى الإسلام.
ولكن هذا المشرك طعن حرام بن ملحان بكل غدر وحمق وجهالة، فصاح ذلك الصحابي -والدم يسيل من جسده الطاهر- قائلا: فزت ورب الكعبة، ولم يكتفِ عامر بن الطفيل بما فعله، وإنما جمع أعوانه من الكفار، وأحاطوا بالمسلمين وهم في رحالهم، وقتلوهم جميعًا إلا كعب بن زيد الذي عاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا، وكان في سرح الدعاة اثنان لم يشهدا الموقعة الغادرة، أحدهما
عمرو بن أمية الضمري ولم يعرف النبأ إلا فيما بعد، ورجل من الأنصار، فأقبلا يدافعان عن إخوانهما، فقتل الأنصاري، وأسر عمرو بن أمية، ولكن عامر بن الطفيل أطلق سراحه، فرجع إلى المدينة.
وفي الطريق لقى رجلين ظنهما من بني عامر فقتلهما، ثم تبين لما وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما من بني كلاب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجارهما، فالتزم الرسول صلى الله عليه وسلم بدفع ديتهما، حزن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته حزنًا شديدًا على هؤلاء الصحابة، وظل الرسول صلى الله عليه وسلم شهرًا يقنت في صلاة الصبح ويدعو على قبائل سليم، مؤجلا الرد عليهم حتى يتخلص من أعداء المسلمين في المدينة؛ لأن خطرهم أشد، ألا وهم يهود بني النضير.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الإجراءات : (من قرأ ؟)
لم يشاهد الموضوع أي عضو حتى الأن.
مواقع النشر (المفضلة)