- الإهدائات >> |
العولمة والشباب العربي
الشباب مرحلة من مراحل النمو لا تنفصل عما سبقها أو يليها أو يترتب عليها، وهي تشكل مساحة واسعة في الهرم السكاني لأي مجتمع ، وتتميز هذه المرحلة بأنها انتقالية إلى الرجولة أو الأمومة، ويتخطى الأفراد فيها مرحلة التوجيه والرعاية ويكونون أكثر تحرراً .
وتشكل هذه الفئة في مجتمعنا العربي أهمية كبيرة حيث يعد مجتمعنا العربي من المجتمعات الفتية وان التحديات التي تواجههم أحد أهم وأبرز القضايا لأنها تستهدف زلزلة كيان المجتمعات والقضاء على قوتها وثرواتها. والشباب عبارة عن طاقة كبيرة ذات تقلبات نفسية سريعة غير متوازنة مما يجعلهم أكثر ميلاً إلى ما يحرك تلك الطاقة أو تبني كل ما هو جديد وغريب يبث في نفوسهم الفضول وهم كسلاح ذي حدين أما أن توجه تلك الطاقة بشكل صحيح أو توجه إلى ما هو سيئ وهنا قد يصبح قوة مخربة لمجتمعاتها.
والشباب في إطار هذه المعطيات هم الأكثر تأثرا بتوجهات العولمة وقضاياها ومشاكلها، فما دامت مشروعاً كونياً للمستقبل كما يطمح منظروها ومفكروها فإن الجيل الجديد هو الأسبق بالتعاطي مع هذه التوجهات وأدواتها، فالكمبيوتر وشبكات المعلومات المعقدة أصبحت في متناول أيدي الشباب، فضلاً عن أنماط المعيشة التي تطرحها العولمة من مأكل ومشرب وعادات ثقافية موجهة بالدرجة الأولى إلى أجيال الشباب تجعلهم الأقدر على الاستجابة والتقبل للمفاهيم الجديدة (1)
وعلى الرغم مما دعت إليه العولمة بما يسمى بالقرية الكونية والتقارب الثقافي فقد زادت في ظلها الصراعات والعنف، وانتهاك مواثيق حقوق الإنسان ، كما حدث في العديد من البلدان اليوم.
وفي هذا المجال يؤكد الدكتور حجازي أن منظومة القيم لدى الشباب سارعت في عملية التحول والتبدل في ظل هذه الظاهرة نحو ( الأزمة ) حيث ساهمت في غلبة الجانب المادي على المعنوي، وشيوع السلوك السلبي والعزلة الاجتماعية، وإحلال الفردية محل الجماعية وتزايد الانحرافات الأخلاقية وتفاقم العنف الثقافي وسيادة قيم الاستهلاك التفاخري، كما أدت وسائل الإعلام دوراً بارزاً في استمالة الشباب لشراء ما هو أجنبي، وإفساد مناخ التنشئة الاجتماعية، فضلاً عن ما تعرضه الإعلانات من ثقافة بديلة وهذا لابد أن يعرّض القيم الاجتماعية إلى هزة عنيفة ربما تسهم في تفكيك وانهيار المجتمع (2) آخذين بنظر الاعتبار أن الشباب في المجتمع المعاصر يخضعون في تربيتهم وإعدادهم وتنشئتهم إلى مؤثرات متعددة ومؤسسات متنوعة توجهها مبادئ وقيم وأساليب وأهداف وغايات مختلفة ومتناقضة ومتصارعة في أحيان كثيرة طالما أن المجتمع المعاصر يتميز بتعقيد مكوناته الثقافية وتنوع وظائفه التخصصية التي تحتاج باستمرار إلى مزيد من المتطلبات التعليمية لمواكبة كل ما هو جديد وطارئ بفعل ظاهرة التقدم التكنولوجي وثورة الاتصالات والمعلومات(3)
إن تيار العولمة في منظورها الاجتماعي تهدف إلى نقلة فكرية في أوجه متعددة من الحياة والمفاهيم وثوابت القيم والضوابط الاجتماعية مما يؤدي إلى حدوث تغيير في توجهات الشباب بدعوى مواصلة التطور العلمي والتقني إلا أن هذا التطور ينطوي على تحديات جوهرية لمقومات الحياة العربية التي ينشأ الشباب في كنفها في إطار وحدتهم المجتمعية. ولعل أهم هذه المقومات التي تحدد السلوكية الجيدة والشخصية السليمة هي القيم الاجتماعية.
نقف هنا قليلا: لنجد أن الآثار التي تتركها العولمة في قيم الشباب تسهم في تفكيك القيم الإيجابية وتخريبها فيصبح الشباب ذات شخصية هزيلة وغير قادر على مواجهة التحديات التي تجابههم، فضلا عن محاربة المعتقدات التي يعتنقها والتي ورثها من مجتمعه وتراثه العربي إلى جانب تصعيد روح العداء من خلال زرع العزلة والأنانية لإنماء الفردية وبث الطائفية في خلايا المجتمع لقتل روح التعاون وكسر العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع العربي .
إلى جانب ذلك تؤثر العولمة في حرية الشباب إلى الحد الذي تصل فيه للتحرر وعدم الالتزام من القيود والثوابت الأخلاقية والدينية والأعراف والوصول بهم إلى مرحلة العدمية فيصبحون أسرى لكل ما يعرض عليهم، وهنا نجد ملاحقات واضحة لأحد أذرع العولمة وهي الشركات متعددة الجنسيات التي تستغل بقدراتها تلك المجتمعات بما تنتجه وتروجه من سلع استهلاكية وترفيهية لا تدع لهم مجالاً للتفكير في شيء آخر مما يعرضهم إلى القلق المستمر والخوف الداخلي(4).
وإذا كانت العولمة كما يعرفها البعض هي ضبط إيقاع الناس على أنغام ألتا نكو الأمريكي، فإننا نجد ترويجا هائلاً للسلع الاستهلاكية داخل مجتمعنا فنجد الشباب يتسابقون إلى المعلبات ومشروبات المياه الغازية (الكوكا كولا) وارتداء ملابس الموضة الغربية المتنوعة فضلاً عن الميول الواضح للاستماع إلى الموسيقى الغربية وتقليد كل ما تقع عليه أعينهم من الدعايات والإعلانات الغربية التي لا تتفق ولا تنسجم مع قيم مجتمعنا وهذا يؤشر مظهراً من مظاهر انتماء الشباب إلى الثقافة الغربية.
هذه المودات والأفكار التي يحاول الغرب نشرها بين الشباب تسهم في نشر قيم وتقاليد بعيدة عن ما توارثناه من واقـعنا وديننا، كترويج مظاهر الميوعة والتبرج بين الفتيات، وهذه الأخلاق والقيم التي يهدف الغرب إلى نشرها في المجتمع العربي ستساعد على فقدان الأخلاق النبيلة التي وصى بها القرآن الكريم.
كما أن هذه المعطيات تجعل الشباب غير قادر على مواجهة الصعوبات والتحديات المستقبلية، بعد أن تتحلل القيم وتتزعزع ثوابت المجتمع، فالفتاة المتبرجة لا تستطيع أن تبني جيلاً مؤمنا متماسكا محافظا على قيمهم وتقاليدهم.
وتزداد خطورة العولمة على الشباب عندما تعد قيم الرذيلة والفساد هي القيم المثلى واعتبار هذه القيم هي الأساس في الوصول إلى مصاف الدول والمجتمعات المتقدمة، ولعل أقرب مثال نسوقه في هذا المجال هو المسلسل الذي عرض قبل فترة على بعض الفضائيات وهو المسلسل الأمريكي ( الجريء والجميلات ) الذي يعكس مجمل مظاهر السقوط والتفكك في قيم الشباب ومسخ شخصيتهم.
هذا التفكك والانسلاخ عن قيم المجتمع وثوابته يجعل الإنسان مغتربا عن ذاته وعن مجتمعه ويفقد واقـعه للعمل فيقل إنتاجه ويضطرب سلوكه على المستوى الفردي، وعلى المستوى الجماعي، وإذا كان أي تنظيم بحاجة ماسة إلى ( نسق قيمي ) يشبه الأنساق القيمية الموجودة عند الأفراد كي ينظم أهدافه ومثله العليا التي تقوم عليها حياته ونشاطاته وعلاقاته، فإن تضارب تلك القيم وتحللها يجعل من الصراع القيمي والاجتماعي حقيقة واقعة مما يدفع بالتنظيم الاجتماعي إلى التفكك والانهيار (5) .
في إطار هذه المسارات والتوجهات نجد أن العولمة وآلياتها ترمي إلى فرض النموذج الأمريكي على مظاهر الحياة وبمختلف جوانبها، حيث نجد أمركة في العلوم وأساليبها ولغاتها وأمركة العادات من الولادة حتى الممات وأمركة الأسر وعدد أفرادها وتربية أجيالها والقائمين عليها، وأمركة في الألبسة والفنون والغناء والألعاب فضلا عن أمركة في الأفكار والقيم بكل أشكالها.
وهذه توجهات تتم عبر وسائل متعددة لتؤثر فيها على وجودنا الإنساني وحياتنا الاجتماعية وقيمنا الأخلاقية والتربوية بهدف تشكيل أنماط سلوكية وقيم ومعتقدات جديدة تتناسب وأهداف العولمة ،ويكون التصدي لمخاطر هذه السياسة من خلال توجيه الشباب وتوعيتهم نحو الحديث من التطور التكنولوجي والاستفادة من جوانبه الإيجابية والتخلي والابتعاد عن ما يهدد سلوكهم وقيمهم الأصيلة التي تتوافق مع قيم المجتمع وثوابته الأصيلة.
المصادر:
فوزية العامري،الشباب والعولمة،البيان، العدد(149).
د.احمد مجدي حجازي،التغير في المنظومة الثقافية للمجتمع المصري،المؤتمر السنوي الخامس الذي نظمه المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية،القاهرة،نيسان،20 03.
د.محمد قظام،الصراع القيمي لدى الشباب ،مجلة الوحدة،العدد(39)،عمان،كانون الأول،1997.
د.مصطفى رجب،مخاطر العولمة على المجتمعات العربية،البيان،تشرين الأول،2000.
د.عبد الله عويدات،القيم وقيمة الشباب الأردني،عمان ،1986.نقلاً من مجلة الوحدة،العدد(39)عمان،كانون الأول،1997
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الإجراءات : (من قرأ ؟)
لم يشاهد الموضوع أي عضو حتى الأن.
مواقع النشر (المفضلة)