يا جماعة انا قريت النهاردة في الجمهورية مقال الكاتب الكبير الاستاذ محمد علي ابراهيم رئيس تحرير الجمهورية بنفس عنوان الموضوع فحبيت انقله لكم وعلي فكرة هو ده رايي وانا متفق مع الاستاذ محمد في الكلام ده لاني زهقت جدا من صحف المعارضة دي واللي بتكتبه
وياريت تقروه كله


قبل أسبوع صدمني خبر أو قل كارثة.. باحثة مصرية أعدت رسالة ماجستير تؤكد أن شباب مصر قابل للاختراق ويسهل سقوطه في بئر الخيانة..
كان طبيعياً أن أسعي للحصول علي هذه الرسالة العلمية لكني لم أنجح حتي الآن. رغم أهميتها.. فالمؤكد أن الباحثة استمعت إلي آراء طلاب وشباب وأساتذة.. والشباب كما فهمت من الخبر يصبحون عرضة للخيانة كلما زادت نسبة البطالة بينهم
..
الدلالة قوية وتعني كما فهمتها أن الوطن لم يعد عزيزاً.. وطن يمر بأزمة اقتصادية سيقفز منه الشباب لانهم ليسوا مستعدين للصبر.. وطن تتفشي فيه البطالة فيقبل شبابه عروض التجسس لصالح قوي خارجية
..
إنني أتصور أن الخيانة ليست بالضرورة التجسس لصالح إسرائيل.. لكنها في إمداد السفارات الأجنبية بمعلومات عن الاقتصاد والجبهة الداخلية.. في السعي لتشويه صورة مصر بقصد أو بغير قصد.. ليس من حقنا كصحافة أو إعلام أن نقدم السلبي فقط.. زملاؤنا في الصحف الخاصة نجحوا في أن يطرحوا علي الشباب سؤالاً دائماً هو "ماذا قدمت مصر لكم"؟!.. الأسعار نار والمرتبات ضعيفة والشوارع فوضي والفساد يطحن البلد والواسطة أقوي من القانون. فلماذا يحب الشاب بلده؟
.
عندما تفرد صحيفة خاصة مساحة كبيرة تسأل فيها الشباب: "أنت لسه بتحب مصر"؟!.. وكأن مصر أصبحت عاراً. علينا أن نفر منها كما يفر المرء من وحش يطارده
..
وإذا كان سبب السؤال هو حجم الهجرة غير الشرعية الذي تضاعف نتيجة البطالة. أو كان سببه سوء الأحوال الاقتصادية أو الفقر.. فالسؤال لا محل له من الإعراب.. لا يعقل أن أحب وطني إذا عشت في رخاء وأكرهه إذا اشتدت عليّ الظروف الاقتصادية
..
لو سألنا أي هندي يعمل في الخليج هل تحب وطنك؟.. سيرد عليك بالإيجاب!. كلهم يعشقون الهند ويذوبون فيها حباً رغم الفقر والجهل والأمراض والكوارث الطبيعية.. لم أسمع أن هندياً تجسس لحساب الصين أو باكستان ولم أعرف أن صينياً انشق للهند.. ربما حدث ذلك في نطاق محدود جداً لا يتناسب مع عدد السكان الرهيب في هذه البلاد
..
أما عندنا فالمسئولية الأولي تقع علي الآباء والأمهات.. نسوا أن يعلموا الأجيال الجديدة أنه لا بديل عن الوطن.. رغم أن تعدادنا أكثر من 80 مليون نسمة فكلنا لا نعرف أن اسم بلدنا في كل اللغات يعني أنها أرض سوداء قديمة.. وهي أفضل أنواع الأراضي
..
إذا كان المصريون يهاجرون بطرق شرعية أو غير شرعية فإن هذا لا يعني أنهم يكرهون الوطن.. الوطن انتماء ذاتي يظهر في أبسط شيء.. لا أحد يريد أن يدفن في الغُربة إذا مات.. ماذا يعني ذلك؟
.
نعم الحكومة مخطئة في سياسات كثيرة.. لكن أسوأ حكومة في العالم لا تجعل شعباً يكره بلاده
..
لقد كرهت هذه الصحافة الخاصة الوطن فحاولت أن تجعل الشعب يشاركها الكراهية!. ربما يقول البعض إن الديمقراطية أن تضرب الحكومة بقسوة.. وهذا هو الاختلاف بيني وبينهم.. نحن ننقُد الحكومة وهم يكرهون مصر
..
الكراهية سلعة رخيصة يمكن تسويقها بكثافة لأن زبائنها هم الأكثر جهلاً والأقل استعداداً لاستبدالها بتمرين جدي للعقل.. إن الحياة مع كل هذا الكم من الكراهية هي جحيم نسير إليه بعيون مغمضة وقلوب عمياء
..
يصدرون لنا كره الوطن من خلال تلوين كل شيء باللون الأسود.. حتي عندما تعرض الأفلام الجريئة في السينما مثل "هي فوضي" و"حين ميسرة". لا نجد نموذجاً إيجابياً لمعادلة السلبيات الكثيرة.. وبالتالي فالناس عندما تشاهد الفن تصدقه رغم أنه لا يقدم إلا المشوهين اجتماعياً..



إننا كصحافة مسئولون عن تصحيح مفهوم الوطن.. وانظروا ماذا فعلوا بعقول الشباب.. دافعوا عن اجتياح حدودنا من قبل "حماس" ودعونا إلي التغاضي عن ذلك.. دافعوا عن الإخوان الذين قالوا "طُظْ" في مصر وأبو مصر.. دافعوا عن سعدالدين إبراهيم وأيمن نور.. شككوا في أحكام القضاء عندما تصدر في حق المعارضين. وكأنهم أنبياء معصومون. وإذا صدر حكم ضد عضو بالحزب الوطني فإنه يستحق أكثر منه..
تطالب الصحف الخاصة المواطنين بتجاهل قانون المرور لأنه قاس وعنيف. وفي الوقت ذاته تنعي علي مصر أنها بلا قانون.. كل قانون يصدر تشكك فيه. وكل تعديل وراءه هدف خبيث..
يشكون اتساخ الشوارع ولا يعلمون الناس أن النظافة من الإيمان.. يصورون العشوائيات باعتبارها تصدر التطرف. وإذا قامت المحافظة بنقل سكانها أقنعتهم الصحف الخاصة أن الحكومة تبعدهم عن أكل عيشهم. وحتي إذا ما أبقتهم في العشوائيات وطلبت منهم مصاريف إيصال المرافق إليهم قالوا إنهم غلابة والدولة ليس لديها رأفة..
إننا كمصريين نحتاج أن نتعلم الانتماء قبل أن نطالب بحقوقنا.. الإعلام حالياً يؤكد للناس أن لهم حقوقاً فقط وليس عليهم واجبات..
من غير المعقول أن نزرع كل هذا في الشباب ونطالبهم بحب مصر.. ووصل الأمر إلي درجة أن شكك البعض في حكم صدر بادانه جاسوس وطالبوا بإعاده محاكمته رغم أن تهمه التخابر ثابتة عليه.. ونشكك في كل قضاء.. إن حب الوطن لا يمكن أن يقترن بحب الحكومة.. الحكومات والأشخاص زائلون. لكن أن نكون كالأطفال إذا ما أخذنا مصروفاً نصفق وإذا لم نأخذ نبكي وندبدب علي الأرض..فهذا لا يليق
الفقر في العالم كله.. والهند وماليزيا والصين والبرازيل والمكسيك بها فقر أكثر من هنا بكثير ولا أحد يسألهم: هل تحبون بلادكم؟. حب الوطن لا يمكن أن نقول إنه من طرف واحد أو متبادل.. حب الوطن هو دم العروق. وأنفاس الحياة.. كثير من المصريين يفقدون أعمالهم في دول أخري عقب مشاجرات يهان فيها اسم مصر أو يتم التلميح والغمز واللمز عليها.. يتم ترحيلهم ويعودون للبطالة هنا أو في قراهم الصغيرة وساعتها فقط يكتشفون مدي الحب الذي يكنونه لأوطانهم..