- الإهدائات >> |
وللحب سلطان
جلست نوال في مقعدها في السيارة الميكروباص المتجهة إلي بلدة أسرتها عائدة من مدينة الجيزة التي تقيم فيها مع زوجها أحمد وابنتها الصغيرة سالي حيث محل عمل زوجها وكانت تحمل ابنتها الصغيرة التي لم تتجاوز عامها الثالث علي ركبتيها .إكتمل عدد الركاب بالسيارة وقد جاورها في المقعد شاب وسيم يبدو وكأنه في الثلاثين من عمره وتبدو آثار النعمة علي وجهه وعلي زيه المهندم . وقد لاحظت نوال ذلك من نظرة واحدة له أثناء صعوده للسيارة وهي في ذلك تتشابه مع الكثير من بنات جنسها في نظراتهن الفاحصة السريعة. أنطلقت السيارة وبدأ الشاب الوسيم في إشعال سيجارة . تحملت نوال مكرهة رائحة الدخان تجنبا للحديث مع الشاب فطباعها الريفية من عدم التجرأ بالحديث مع الرجال تغلب عليها وهي أيضا تخشي ردة فعله. تجرأت نوال عندما وجدت ابنتها الصغيرة تجهش بالبكاء مختنقة من رائحة الدخان وبصوتها العذب الناعم الجميل الذي حباها به الخالق وبرقة النسيم في عبارة إمتزج فيها الخجل بالرجاء قالت له: من فضلك البنت الصغيرة ستختنق بدخان السيجارة فهي تعاني من حساسية بالصدر فما كان من الشاب إلا أن إستجاب متأسفا ومتعللا بعدم التركيز لإنشغال فكره وإلا لما أقدم علي التدخين بالسيارة أصلا . لكن شيئا لم يكن متوقعا حدث فقد ضغط السائق علي مكابح السيارة المنطلقة بسرعة عندما فوجئ بمطب إصطناعي بالطريق . تسبب ذلك في إندفاع الركاب من مقاعدهم وارتطم رأس نوال بظهر المقعد الأمامي مما جعلها تصرخ متآوهة خارجة عن شعورها وأخذت تفتش بعينيها عن أي آثار للإرتطام علي وجه وجسد إبنتها سالي التي أحاطتها بكلتا يديها مما جعل فرصة إصطدام رأسها هي كبيرة وهو ما حدث بالفعل . نعم فعاطفة الأمومة غالبة علي كل العواطف لا محالة .
إلتفت الشاب المجاور لها قائلا : فيه حاجة حصلت ياأفندم؟ لكنها إلتفاته لم تكن في الحسبان فقد إلتقت فيهاالعينان وكأنهما علي موعد . فهذه هي المرة الأولي منذ إنطلاق السيارة التي تلتقي فيها عيونهما معا للحظات طالت دون عمد من كليهما. بعدها جلست نوال في مقعدها سابحة في بحر ذكرياتها فأستعرضت أيام خطوبتها وزواجها التقليدي الذي يسمونه زواج الصالونات فهي لم تعرف أحمد قبل أن يتقدم لخطبتها ولم تقضي معه فترة خطوبة كافية للغوص في شخصيته والتعرف علي طباعها فقد كانت عدد زيارته لها من تاريخ الخطوبة الي يوم الزفاف لاتتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة وكان نصيبها منها أيضا ساعات قليلة هي التي انفردت بها معه تحت غطاء من مراقبة أعين الأهل التي تتابع عن كثب ولم يتسني لها أن تخرج معه إلا مرتين الأولي ساعة إختيارها للشبكة وقد رافقهما العديد من أفراد أسرتيهما معا والثانية يوم توجهت ايضا معه بنفس الحشد السابق لإختيار الموبيليا والأثاث لعش الزوجية.إستعرضت نوال أيضا ليلة زفافها علي عريسها أحمد وكيف أنهما كانا كالغرباء معا في تلك الليلة وكيف مرت هي وليالي كثيرة بعدها دون أن يتم الزفاف حتي جاء اليوم الذي زارتهم فيه حماتها وعنفتها ولوحت بتهديدات كان من شأنها أن تغير مجري الأمور لولا أن مشيئة القدر تدخلت فأصلحتها. إستعرضت ايضا نوال الساعات الطويلة التي كانت تقضيها وحيدة طوال نهار اليوم وقد أعدت الطعام وأعادت تسخينه أكثر من مرة لحين وصول زوجها من عمله في الثامنة مساء من كل يوم بعد قضائة لساعات العمل الأصلية يعقبها الساعات الإضافية التي يحتاج إليها لكي يستطيع أن ينفق علي أسرته الصغيرة فالحياة صعبة والأسعار في تزايد مستمر.وكالعادة موعد العودة اليومي كان يزيد تأخيرا لمرور أحمد علي منزل عائلته أحيانا أو بسبب أزمة المواصلات التي تضيف علي عبء الحياة عبئا جديدا.
إستعرضت نوال أيضا كيف كان أحمد يعاملها بعنف حين كانت تطلب منه أن يخرجا معا للتنزه ولو ليوم واحد في الشهر في عطلته الأسبوعية متعللا بالإرهاق والتعب مما كان يتسبب في شقاق وتنافر وقطيعة بينهما والتعامل السطحي لأيام طويلة بعده.
لم يكن لنوال سوي جهاز التلفاز ونيسا لها في وحدتها في ساعاتها الطويلة حتي أنها كانت تمله أحيانا. تعرفت نوال علي العديد من جاراتها لكنها لم تجد بينهن من ترتاح إليها فهذة حسودة تدخل بيتها لتمر بعينها الحامية علي مقتنيات المنزل وتلك تحب النميمة والخوض في سير الجيران وأخري فضولية كانت تمطرها بسيل من الأسئلة الهامة والتافهة. علاوة علي ذلك كنا يكبرنها سنا ولم يكن أحمد يرتاح لمعرفتها بهن وقد ألمح لها عن ذلك العديد من المرات مما جعلها فاترة في مقابلتهن وتخلت تدريجيا عن صحبتهن. لم يملأ جزء من الفراغ الكبير في وقت نوال إلا حين رزقت بابنتها سالي فكانت تغدق عليها بحنانها الفائض وعاطفتها الجياشة وكم كانت تحدثها كأنها شخص كبير أمامها تشكو لها وحدتها وقسوة أيامها وبعدها عن بلدة عائلتها ثم تحتضنها في حنان مؤكدة لها ان حبها في قلبها قد عوضها الكثير من آلامها.
خرجت نوال من شرودها في أستعراضها لذكرياتها حين نادها السائق: محطتك يامدام . جمعت نوال شتاتها وجمعت أغراضها ونزلت من السيارة علي محطة بلدتها. كان في إنتظار نوال أخاها محمود الشاب القروي المتعلم الذي أستقبلها بحفاوة وترحاب حاملا أبنتها الصغيرة علي يده وشنطة سفرها بيده الأخري وتوجها معا لمنزل العائلة.استراحت نوال لبضع دقائق ثم طلبت من والدها ووالدتها الجلوس معهما علي أنفراد مما أثار قلقهما.قالت نوال لأبيها بسرعة خاطفة : بابا أنا أريد الطلاق. لم يصدق الوالد ماسمعه من إبنته فطلب منها أن تعيد ما قالته مرة أخري علي مسامعه فما كان من نوال إلا أن أنهمرت الدموع من عينيها جاهشة بالبكاء الطويل الذي أعقبه إنهيار عصبي دخلت علي أثره في إغمائة طويلة.استدعي والدها الطبيب علي عجل
جاء طبيب الوحدة الصحية بالقرية وقام بواجبه حتي بدأت نوال تفتح جفنيها مستفيقة من الإغماء وإذا بها تجد الشاب الذي كان جالسا بجوارها في السيارة أمامها . صاحت نوال فيه قائلة: إنت مين؟ وايه اللي جابك هنا ؟ تدارك والدها الموقف وقال : يانوال ده الدكتور يسري طبيب الوحدة الصحية كتر خيره أول ما بعتناله جه علطول. اشكريه يابنتي. تبسمت نوال في خجل وقالت بصوت يشبه رقة النسيم في موسم الربيع: متشكرة يادكتور وسكتت لبرهة وأكملت نطق اسمه يسري وكأنما كانت تغنيه. بعدها إنصرف الدكتور يسري وجلست نوال في غرفتها وحدها فقد نصح الطبيب الأهل بأن يتركوها وحدها لساعة أو ساعتين حتي تهدأ سريرتها ويالا العجب فكأن يسري تعمد ذلك ليعطيها الوقت في البقاء منفردة كي تجول ببالها فيه هو وهو ما حدث بالفعل. في اليوم التالي اصيبت إبنتها سالي بنزلة برد فسارعت نوال بها الي الوحدة الصحية لتداوي إبنتها من علتها وتداوي قلبها من جراحه فهذة هي المرة الأولي التي يدق فيها قلبها عازفا أحلي مقطوعة حب. إستسلمت نوال لمشاعرها تجاه يسري وكأنما رأت فيه مخلصا لها من كل مشاكلها ومعاناتها. وصلت نوال إلي الوحدة الصحية وما أن لمح الدكتور يسري طيفها حتي إبتسم إبتسامة رضا أحمرت علي أثرها وجنتيه وتفتحت أساريره وما أن إقتربت حتي هلل مرحبا بها قائلا : أهلا يامدام نوال نورتي المكان المتواضع ده . مدت نوال يدها لتسلم عليه ومد يسري يده ليستقبل يدها وكأنما قد إجتمعت في يديهما معا كل مشاعر الحب والدفء والشوق والحنان.عجبا ! أهما كفان أم قلبان يذوبان عشقا. لم يستطع أيا منهما أن يفلت يده من يد الآخر بإرادته لولا أن إحدي الممرضات كانت في طريقها إلي غرفة كشف الطبيب مما جعلهما يتنبها من غفلتهما فأفلتا الكفين. جلست نوال وقد بدأت بتكرار الشكر ليسري علي جهده معها حين داهمها الإغماء وقالت له أن ابنتها تعاني من نزلة برد فقام الدكتور يسري بواجبه وفحصها بدقة وعناية وكتب لها تذكرة صرف الدواء ثم دق جرس الغرفة واستدعي إحدي الممرضات وكلفها بصرف الدواء من صيدلية الوحدة وما أن همت نوال بالإنصراف حتي قام يسري مودعا وقد أخرج من جيبه بطاقة تحمل اسمه ورقم هاتفه المحمول وأعطاها لنوال قائلا لها: لو إحتجتي أي حاجة اطلبيني أنا تحت أمرك. ودعته نوال بنظرة ملؤها الحب والحنان وكأن قلبها قد فوض عينيها المحبتين في الحديث بدلا عنه لتبث ليسري أحلي مفردات الحب والغرام بلغة العيون ويا لها من لغة فصيحة بليغة تعبر عن العواطف أيما تعبير وتلعب بخلجات النفس تاركة بها أحلي تأثير. بادلها يسري نظرة بنظرة وشوقا بشوق وحبا بحب بنفس اللغة.عادت نوال إلي منزل أسرتها ومر يومين وهي لم تجرؤ علي الإتصال بيسري رغم كل العواطف الثائرة التي تعتصرها تجاهه إلي ان فرض عليها سلطان الحب أمره فاتصلت من غرفتها التي تقيم فيها بمنزل أسرتها بعدما تأكدت أن كل من في البيت قد نام . رد يسري بصوته الهادئ الوقور الذي عشقته نوال : آلو مين معايا . أجابت : انا نوال . أهلا يامدام نوال أزي حضرتك ؟. أجابت :الحمد لله أنا كويسة وحضرتك؟ . أنا كنت كويس لحد يومين فاتوا لكن دلوقتي مأظنش . نوال في قلق : ليه يادكتور؟ خير . يسري في جرأة : أصلي بحب . نوال في مكر يمتزج بالخجل : وهو الحب يزعل ؟ يسري في ألم : عشان أنا واللي بحبها ظروفنا ملخبطة. نوال : إزاي يعني ؟يسري: أصلها متجوزة ومخلفة .وصمت لبرهة وقال: وأنا كمان زيها . نزل الشطر الثاني من الخبر علي نوال كالصاعقة وأغلقت الخط وأخذ يسري يحاول الإتصال بها لكنها أغلقت الهاتف نهائيا ليسمع يسري الرساله المسجلة " الهاتف الذي تحاول الإتصال به ربما يكون مغلقا حاول الإتصال مرة أخري في وقت لاحق". كرر يسري المحاولة ولكن دون جدوي . إتكأ يسري علي سريره مغمض العينين في غير نوم وهو يسبح في ذكريات السنوات الخمس الخوالي من حياته من لحظة تخرجه من كلية الطب حتي اللحظة التي التقي فيها بنوال. بعد تخرج يسري تصادف أنه كان يسير مع أصدقاء له في نزهة يحتفلون فيها بتخرجه كعادة الشباب.وأثناء سيرهم في أحد الشوارع المزدحمة بالناس والسيارات وقع حادث لشابة في مقتبل العمر داهمتها سيارة فوقعت مغشيا عليها في الشارع وجري يسري هو وأصدقائه في إتجاه المصابة وعلي الفور بدأ يسري يؤدي واجبه فنهي الناس عن لمسها أوتحريكها بطريقة خاطئة وقام هو بنقلها الي جانب الطريق في وضعية معينة خشية حدوث أية مضاعفات لها من جراء نقلها بطريقة خاطئة وقام بالإتصال من هاتفه المحمول علي الفور بأقرب وحدة إسعاف لإرسال سيارة إسعاف وما أن وصلت السيارة حتي قام مع طاقم الإسعاف بنقلها بطريقة صحيحة داخل السيارة وجلس بجانبها ليحافظ علي ثبات الوضعية الصحيحة كما تعلم في كليته . ودع يسري أصحابه بالإشارة وتوجه مع المصابة إلي المستشفي وعلي الفور جهزت غرفة العمليات وكان بها عدد من جراحي العظام والمخ والأعصاب وبدأت العملية بل قل العمليات الجراحية للمصابة . وأثناء الساعات التي قضتها المصابة في العملية كانت إدارة المستشفي قد تعرفت علي شخصيتها من خلال بطاقتها الشخصيية التي كانت داخل حقيبتها وقامت بالإتصال بأهلها . بينما كان يسري يجلس في غرفة الإنتظار الكائنة أمام غرفة العمليات إذا بفوج هائل من أهل المصابة يشمل والدها وأمها وأخواتها قد أتوا مسرعين يكاد الواحد منهم تتعثر قدميه في أقدام الآخرين والجميع يقول :أين ندا ؟ بنتنا فين ؟ فقام أحد الموظفين الإداريين بتهدئتهم مؤكدا لهم أن المستشفي تقوم بواجبها نحو المصابة وما عليهم إلا الجلوس والإنتظار والدعاء لها . سأل والد ندا الموظف الإداري عن مدير المستشفي فأخبره بأنه هو نفسه رئيس فريق الجراحين الذي يقوم هو وطاقمه بإجراء العملية التي بدأت فور الإنتهاء من عمل التحاليل اللازمة وصور الأشعة للمصابة . الجميع لا يهدأ لهم بال في حالة توتر وقلق يصل إلي حد الذعر وأرجلهم تجوب الطرقة ذهابا وإيابا. أخرج والد ندا هاتفه المحمول وإذا به يحدث وكيل وزارة الصحة ويطلب منه المجئ علي الفور. جال بخاطر يسري أن والد ندا شخصية هامة أو أنه من رجال الأعمال الأثرياء وذلك لما يبدو عليه من مظهر غير عادي في الأناقة وأيضا التصرفات فهاهما أثنان من الشباب اللذين يطلق عليهم حارس خاص أو بودي جارد يقفان في إنتظار أي إشارة منه . كما أن عدد الإتصالات من الشخصيات الهامة التي كانت تتصل علي هاتف الرجل تدل علي أنه شخصية مرموقة في المجتمع . كل هذا لاحظه يسري أثناء جلوسه بينما لم يلاحظ أحدا من الموجودين حتي وجوده .مرت ثلاث ساعات منذ بدأت الجراحة وأخيرا خرج الأطباء من غرفة العمليات وعلي الفور توجه والد ندا إليهم ليطمئن علي إبنته فأخبره مدير المستشفي بأن العملية نجحت بفضل الشاب الذي حضر مع المصابة في سيارة الإسعاف إذ أنه بحفاظه علي نقلها بوضعية معينة لا يعلمها إلا القليل من الناس سوي الأطباء قد أنقذ المصابة من مضاعفات كانت يمكن أن تؤدي لوفاتها . وفي تلك اللحظة أشار الموظف الإداري بالمستشفي لكل من مدير المستشفي ووالد ندا بإتجاه يسري فناداه مدير المستشفي وشكره وسأله عن وظيفته فقال يسري: أنا طبيب جديد خريج هذا العام فتبسم مدير المستشفي وقال : أنا قلت كدة بردو. وعلي الفور إحتضن والد ندا يسري وغمره بالقبل وعبارات الشكر وهو يردد : لن أنسي لك هذا الجميل. فأجاب يسري في حياء : أنا معملتش غير الواجب يافندم. بعدها نقلت ندا إلي غرفة الإنعاش وعاد يسري إلي منزله ليجد والده ووالدته في قلق شديد عليه فقص عليهما ما كان من أحداث تلك الليلة ثم توجه إلي غرفته وسلم جسده المرهق لنوم عميق. في صباح اليوم التالي توجه يسري إلي المستشفي ووجد ندا قد أفاقت ونقلت لغرفة بالمستشفي فتوجه إليها وقرع الباب وأستأذن بالدخول ووجد ندا وحولها والدها ووالدتها وأخواتها والعديد من أهلها وصديقاتها حولها وما أن لمحه والد ندا حتي أقبل عليه مهللا فاتحا له ذراعيه وكرر شكره له علي شهامته ورجولته . توالت الأحداث بعدها تباعا لتسفر في النهاية عن زواج غير متكافئ بين يسري وندا. كان والد يسري من عامة الناس وكان يتميز بنزاهته وأمانته وإحساسه بالفقراء لأنه وإن كان متوسط الحال فقد كان يتألم لألم الفقير ويساعده قدر إستطاعته وكان يغرس في يسري منذ طفولته هذة المبادئ فنشأ يسري متشبعا بها مؤمنا بأن عليه أن يساعد الفقراء ولما كان أهل الريف من الفلاحين هم أكثر الناس من وجهة نظره حاجة إلي مساعدته فقد آثر أن يعمل في الريف علي أن يعمل بالقاهرة أو الجيزة . لذا كان علي إختلاف دائم مع ندا التي نشأت في أسرة ثرية فأبوها رجل أعمال ناجح جمع المال من حله وحرامه تحت شعارات عديدة منها " اللي تكسب به إلعبه "ومنها "مشي حالك " ومنها " الحساب يوم الحساب " ومنها " ياعم قول ياباسط تلاقيها هاصت " وفي سبيل ذلك غش في أعمال المقاولات التي بدأ بها حياته مقابل رشوة يدفعها لمسئول وضيع النفس ثم في إستيراد الفاسد من الأطعمة واللحوم بشراء الذمم الضعيفة من المسئولين وغيرهم . كل هذة الأمور لم تتضح ليسري عند إرتباطه بندا وها هوذا يدفع ثمن تسرعه بالإرتباط بها دون تدقيق وتحري . رفضت ندا الإنتقال معه إلي الريف فسافر وحده ليؤدي رسالته التي آمن بها في مساعدته بعلاج الفقراء من أهل الريف. وكان في نهاية كل أسبوع يسافر للقاهرة يومين يقضيهما مع ندا . بعد عام من الزواج بها رزق منها بإبنه أحمد التي أصرت ندا علي تسميته باسم والدها هي. لم تحط ندا أسرتهاالصغيرة بالرعاية والإهتمام فأحضرت مربية فليبينية لإبنها لتتفرغ هي للشلة والنادي وما تعودت عليه في بيت أبيها . خاف يسري أن يطعم إبنه من مال جده الثري حراما فينبت جسده من سحت كما أن حياته مع ندا خالية تماما من التوافق لعدم وجود صفات مشتركة أو نقاط تلاقي بينهما. بل كان كل ما بينهما الإختلاف في الرأي والمبادئ والسلوكيات وقد كان هذا أمرا طبيعيا متوقع حدوثه لإختلاف بيئتهما معا . لقد كره يسري حياته مع تلك المرأة وندم علي إرتباطه بها وتمني أن يطلقها لولا أنه رزق منها بإبنه أحمد لكنه كان يضع كل تركيزه في عمله الذي أحبه . أفاق يسري من ذكرياته المؤلمة علي صوت العامل بالوحدة الصحية يدعوه للكشف علي حالة مرضية مفاجئة فقام علي الفور يلبي نداء الواجب . في صبيحة اليوم التالي إتصل علي نوال ولكنه وجد هاتفها ما زال مغلقا فشعر بخيبه أمل . في المساء فوجئ يسري بنوال تطلبه فأجاب علي الفور فحدثته بنبرة حزينة طالبة منه ألا يحاول الإتصال بها مجددا . وما ان كادت تغلق الخط حتي طلب منها يسري راجيا أن تعطيه فرصة ليشرح لها فسمحت له بذلك فسرد لها يسري كل ظروفه وختم حديثه قائلا وبعد أن كدت أياس من الحياة أرسل لي القدر نوال .. أجمل هدية .. لتحيي في قلبي الأمل من جديد وتهدئ من روع حياتي البائسة .. ولولا شعوري بأن معاناتك كمعاناتي لما سمحت لنفسي أن تسير وراء قلبي في طريق حبك . كانت الجملة الأخيرة في حديث يسري طرف الخيط الذي إلتقطته نوال لتسرد ليسري حكايتها أيضا ومعاناتها . بعد أن تصارح الحبيبان وتأكد كل منهما أن الصواب كل الصواب هو تصحيح مسار حياتهما بأيديهما معا . إتفقا علي خطة لتنفيذ مأربهما والواقع أنهما خطتين يخص كل واحد منهما خطة بذاته يجب أن يسير في خطوات تنفيذها وقد نجحت خطتهما وأستطاعا معا بقوة إرادة الحصول علي مفتاح القيد فحصلت نوال علي الطلاق مقابل التنازل عن حقوقها المادية من نفقة وخلافه كما أن يسري أيضا هجر بيت الزوجية وفشلت محاولات ندا وأهلها في إسترجاعه فآثرت ندا الإنفصال وهي ليست في حاجة لنفقة أو مؤخر صداق وأكتفت بالإحتفاظ بإبنها من يسري ثم تنازلت عنه ليسري بعد أقل من عام فقد وجدت في إبنها عائق كبير يحول دون إرتباطها بغير يسري كما أن تطلعاتها في الحياة من حرية وسهر وشلة ونادي ورحلات لم تكن عاطفة الأمومة لديها بالقوة التي تمنعها أو تصدها لتقف في طريق تحقيقها لأهوائها.
وأخيرا تبسمت الأيام ليسري ونوال وألتقي الحبيبان وتزوجا وعاشا معا وتربي أحمد ابن يسري وسالي بنت نوال في بيت تفرش أرضه العواطف الجميلة ويظلله سقف من المبادئ والقيم. مرت السنين سريعا كعادتها حين تغمرنا السعادة وها هو يسري ونوال في أواخر عقدهما الخامس من العمر وهما يجلسان معا في حفل عرس أحمد وسالي يتبادلان نظرات الحب والعشق الدائم الذي تحدي الأيام. وكأن لسان حالهما يقول "وللحب سلطان "
تمت
****
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الإجراءات : (من قرأ ؟)
لم يشاهد الموضوع أي عضو حتى الأن.
مواقع النشر (المفضلة)