يخطئ من يأخذ موضوع ترشح الدكتور البرادعى لرئاسة الجمهورية مأخذ الهزل، ويخطئ البرادعى نفسه لو تصور أن الأمر مجرد اختبار لمدى جدية السلطة فى مواجهته، ويخطئ البرادعى أكثر لو وضع سيناريو أو خطة بديلة تتمثل فى العودة إلى الخارج إن زاد ضغط السلطة (وهو أمر متوقع) عليه... ولكن (دخول الحمام ليس مثل الخروج منه)!!
فالبرادعى مدير عام وكالة الطاقة الدولية السابق، لم يعد له وجود بتلك الصفة بدءا من لحظة خروجه من باب صالة الخروج فى مطار القاهرة والجماهير على قلتها فى انتظاره.
البرادعى اليوم شخص مختلف أو هكذا يجب أن يكون مختلفا عن البرادعى الأمس... بالأمس كانت تفتح له الأبواب ويبسط له البساط الأحمر. كان يدخل من صالة كبار الزوار، كان يمنح النياشين والأوسمة، ويتناول عشاءه مع الرؤساء وغذاءه مع الوزراء، كان البيت الأبيض يعرفه معرفة جيدة ويدرك حقيقة موقعه الخطير.
اليوم تعرفه كل البيوت السوداء، وتدرك مدى خطورة قراره بالترشح للرئاسة، اليوم الصورة مختلفة يا سيدى البرادعى !!!
وعليك أن تدرك أن النضال السياسى فى بلد مثل مصر يجب أن تكون فاتورته حاضرة فى ذهنك، ماثلة أمام عينيك. فمن الممكن أن تجد نفسك وحيدا فريدا وقد أحاطت بك قوات مكافحة الشغب، تفريق المتظاهرين الذين قد يغيبون عن لقاءاتك الجماهيرية بسبب اعتقالهم أو (احتجازهم) أو (تفريقهم) أو (تهديدهم).
لن تتمتع بعد اليوم - إن أردت أن تخوض نضالا سياسيا يهدف إلى تغيير حقيقى على أرض الواقع – بسجادة حمراء ولا بضيافة راقية ولا بتصريحات دبلوماسية...!
قد تقذف بالبيض (لو كان موجود) أو بالقوطة (الطماطم) خصوصا فى موسم الصيف، أو بالحجارة على طريقة انتفاضة فلسطين!!!
قد تفتح عينيك صباح يوم لتقرأ على صدر الأهرام أو الأخبار أو الجمهورية أو جميعها مجموعة من العناوين المفبركة
(البرادعى.... لم يؤد الخدمة العسكرية).
(عشيقة البرادعى تتحدث إلينا... كيف نثق بالرجل الذى خان زوجته؟)...
(ما حقيقة المليارات التى فى رصيد البرادعى فى بنوك سويسرا؟)
(لماذا زار البرادعى إسرائيل!!)
(زملاء البرادعى فى الوكالة الدولية يتحدثون عنه.. كان تسلطيا وأنانيا!!)
وقد يتحفنا ويتحفك رئيس تحرير الأهرام بمقال بعنوان (يا برادعى.... مصر ليست وكالة)، وقد يطربنا ويطربك رئيس تحرير الجمهورية بمقال على خمس أو ست صفحات بعنوان (مصر كبيرة عليك يا برادعى!).
قد تجد نفسك أثناء مؤتمر سياسى محاصرا برجال الأمن السريين، وقد تفاجأ بأحدهم يعطيك ورقة صغيرة مكتوب عليها المقدم (س) من مباحث أمن الدولة يتشرف بدعوتك للقائه فى مكتبه بلاظوغلى، وقد تسأل نفسك وهل بلغت هذا الحد!!
وقد تقول لنفسك لن أذهب اليه (واللى عايزنى يجينى!!) هذا كان زمان يا دكتور!! هذا قبل أن تقرر ترشيح نفسك !
أما لو قررت الترشح فقد تجد نفسك مراقبا على مدار أربع وعشرين ساعة (على طريقة إمارة دبى فى مراقبة من يدخلها ومن يخرج منها)، وسوف يسجلون لك شىء وخصوصا ما لم تقله... فهو أخطر بكثير مما تقوله...!!!
ستجد أمام بيتك سيارات مختلف ألوانها، بعضها يسر الناظرين، وبعضها يغُمُّ العالمين، وربما تجد من بينها سيارة إسعاف وأخرى ميكروباص محافظة الجيزة أو القليوبية لزوم التمويه!!!، وسيدفعونك دفعا للشك فيمن حولك حتى سائقك وطباخك!!
وإذا ما خرجت لتلتقى بالجمهور فقد تجد نفسك مخطوفا من مجموعة ترتدى لباسا مدنيا، بحجة أن هناك خطرا على حياتك – المهم أن يتم إبعادك عن المؤتمر والناس...
وربما ومن باب الاحتياط يتم اعتقالك واتهامك بأنك وراء تنظيم (ثورة مصر الجديدة) المكون من كافة الدبلوماسيين السابقين والعاملين بالوكالات الإقليمية والدولية... وساعتها ستجرب السجن ياعزيزى!
هل سمعت عن السجن (مستر برادعى)!
قد يقوم شعبان عبد الرحيم بتأليف أغنية شعبية ضدك يقول مطلعها :
البرادعى بتاع الوكالة
البرادعى
دا حالته حالة
وآه يا برادعى !!!
لا أقول كل ما قلت إلا للتأكيد على شىء واحد... النضال السياسى فى مصر طعمه مختلف وشكله مختلف ورائحته مختلفة...
المناضلون الحقيقيون يقضون نصف عمرهم فى السجون والنصف الباقى مشردون، لأن المنافسة السياسية فى مصر عنيفة وشرسة ودموية إلى حد ما.... لكن مع ذلك تبقى أسماؤهم - وإن رحلوا عن عالمنا - مقرونة بالعزة والكرامة والنقاء وحب الوطن.
عزيزى د.البرادعى، لا أعرف كيف ستستقبل هذه المقالة، وكيف سيكون انطباعك وأنت تقرأها أو يخبرك بها أحد من معاونيك! لكنها من شخص يعرف أن الحرية لها ثمن.. وثمن باهظ وقد لا يتمتع بها من يطالب بها ويناضل من أجلها، لكنه يدفع الثمن لأنه يرغب ويريد ويطمح فى أن يرى أبناءه وأحفاده أحرارا غير مستعبدين...
كل ما أريد قوله هو ألا تكون الرئاسة هى المطمح والمنى والطلب، بل الرغبة فى المشاركة فى التغيير، وأنا كمواطن ومثقف لا يعنينى اسم الرئيس المقبل بقدر ما يعنينى حجم مشاركتى الحرة والنزيهة فى اختياره من بين مرشحين لم يفرضهم على أحد.
عزيزى البرادعى مرحبا بك فى عالم السياسة..
نحن فى انتظارك..
نريد أن نرى برنامجك السياسى لندخل فى الجد ونناقشك ونحاسبك...
فهل أنت مستعد للمحاسبة!