.د. عبدالرحمن بن سعود بن ناصر الهواوي


العين هي عضو الإبصار، تدخلها الأشعة الضوئية من المرئيات، وتقع على شبكية العين، فتحملها الأعصاب إلى الأجزاء المختصة في المخ، فيدرك الشخص المرئيات. وإلى جانب الإدراك البصري، فإن الإحساس الصادر عن العين يثير انعكاسات عدة بأجزاء الجسم المختلفة. والعين عبارة عن غلاف كروي نوعاً ما يسمى المقلة، التي تحيط بها الصلبة،

وهي غلاف أبيض سميك يكون الطبقة الخارجية للمقلة كلها ما عدا الجزء الأمامي الذي تشغله القرنية، والصلبة هي بياض العين، وتغطيه في الجزء الظاهر منه الملتحمة. وتقع المقلة داخل المحجر وهو النقرة العظمية من الجمجمة. وترتبط المقلة بالتجويف العظمي بواسطة ثلاثة أزواج من العضلات التي تحرك العين، ويغطي الجفنان الأعلى والأسفل المقلة من الأمام، وتنظف العيون بواسطة الدمع الذي يفرز عبر المجاري الموجودة خلف الجفن الأعلى للعين، ويوجد داخل صلبة العين طبقة سوداء تسمى المشيمة التي تمنع إعشاش العين عندما ينعكس الضوء من خلال العين. وتقع تحت المشيمة طبقة شبكية العين، وهي الطبقة الحساسة للضوء، وهي تحتوي على نوعين من الخلايا الحساسة للضوء، هي خلايا العصي التي تعطي رؤية سوداء وبيضاء، والنوع الآخر هي المخاريط، التي تعطي رؤية فعالة في الضوء الساطع، ويوجد نقطة حساسة على الشبكية تسمى النقطة الصفراء - نقرة العين. والقرنية هي البروز الأمامي الشفاف للعين، وهي التي تساعد على انكسار الضوء ليسقط على الشبكية، حيث تقوم العدسات بالتركيز الدقيق للضوء على الشبكية. وقزحية العين توجد في مقدمة العدسات، وهي الجزء الملون في العين، وتتحكم القزحية في حجم الثقب المركزي في العين - إنسان العين أو البؤبؤ - وينتج اللون الأسود للبؤبؤ من المشيمة التي يمكن رؤيتها من خلاله، ويمتلئ الجزء الداخلي بسائل مائي القوام في مقدمه العدسات، ويصبح أكثر صلابة وشبيها بالهلام خلف العدسات، ويستطيع الإنسان أن يرى الألوان المختلفة بسبب أن بعض المخاريط تكون حساسة للون معين، والأخرى للون آخر، وهكذا.. وتوجد في كل عين من عيون الإنسان غدة دمعية واحدة تقع خلف الجفن فوق العين، وتسحب العين السائل الدمعي في كل مرة ترمش فيها. تسقط الأشعة الضوئية الصادرة من الجسم المرئي على قرنية العين، وهي طبقة شفافة، وتمر الأشعة من قرنية العين إلى سائل الغرفة الأمامية، وهي فراغ صغير يحوي سائلا شفافا كالماء، ومنها إلى البؤبؤ، ومنه إلى العدسة البللورية المحاطة بغلاف حيث تقوم بكسر الأشعة الضوئية على الشبكية بعد أن تخترق السائل الزجاجي - مادة شفافة هلامية تملأ فراغ المقلة. وتظهر صورة الشيء المرئي مقلوبة على شبكية العين وتتأثر الصبغة في الخلايا العصوية والمخروطية بالأشعة الضوئية، ثم تنتقل الإشارات الحسية إلى العصب البصري الموجودة أطرافه في الشبكية، الذي يقوم بنقل الصورة إلى المخ الذي يبدل وضعية الصورة بحيث يشعر الإنسان برؤية الجسم على حقيقته. ويوجد في النهاية الخلفية للمقلة البقعة - النقطة - العمياء إذا سقطت عليها صورة الأشياء لا يمكن رؤيتها، وهي عبارة عن تجمع للخيوط العصبية من أجزاء الشبكية التي تغادر المقلة في هيئة عصب كبير هو العصب البصري، وسميت هذه البقعة بالعمياء لخلولها من أطراف الأعصاب البصرية الحساسة.

قال أبو الطيب المتنبي مشيراً إلى المقلة التي هي العين في مجملها:

وما لونه مما تحصل مقلة
ولا حده مما تجس الأنامل
وقال:

في مقلتي رشأ تديرهما
بدوية فتنت بها الحلل
ومحجر العين هو - كما ذكرنا - التجويف العظمي من الجمجمة الذي تقع فيه المقلة، قال أبو الطيب:

وتلثمه حتى أصار مداده
محاجر عينيها وأنيابها سحما
وقال:

يقيان في أحد الهوادج مقلة
رحلت فكان لها فؤادي محجرا
وقال:

نفت رقاد علي عن محاجره
نفس يفرج نفسا غيرها الحلم
والحدقة هي السواد الذي في العين، وشفر العين هو منبت الشعر من الجفن، قال أبو الطيب:

ما بنا من هوى العيون اللواتي
لون أشفارهن لون الحداق
وقال:

عزيز أسى مَن داؤه الحدق النجل
عياء به مات المُحِبون من قبل
وقال:

حدق الحسان من الغواني هجن لي
يوم الفراق صبابة وغليلا
والقزحية - كما سبق أن قلنا - هي الجزء الملون من العين، وهي التي تتحكم في حجم البؤبؤ، أما بياض العين فليس له دور يذكر في النظر، وموق العين: طرفها مما يلي الأنف، قال أبو الطيب:

فجاءت بنا إنسان عين زمانه
وخلت بياضاً خلفها ومآقيا
من المعروف أو المشاهد أن حدقة العين - سوادها - في حركة مستمرة، تموج وتهتز في بياض العين وخصوصاً عندما يحس الإنسان بخوف أو حيرة أو ارتباك، قال أبو الطيب المتنبي:

أدرن عيونا حائرات كأنها
مركبة أحداقها فوق زئبق
لقد شبه أبو الطيب في بيته هذا بياض العين بلون معدن الزئبق، والزئبق معدن سائل متحرك في درجة الحرارة العادية، وهو في حركته لا يستقر عن التموج والاهتزاز، ولذا فأحداق صاحبات المتنبي، تتحرك وتتموج من الحيرة وكأنها مركبة فوق زئبق!! تنظف العين بواسطة الدمع، وهو سائل ملحي القوام بصورة عامة، وهو يفرز عبر المجاري الدمعية الموجودة خلف الجفن الأعلى للعين، ويوجد في كل عين غدة دمعية واحدة، قال أبو الطيب:

أحييتها والدموع تنجدني
شؤونها والظلام ينجدها
وقال:

متلاحظين نسحُّ ماء شؤوننا
حذراً من الرقباء في الأكمام
وقال:

وكم لك جداً لم تر العين وجهه
فلم تجر في آثاره بغروب
الشؤون: مجاري الدمع، وكذلك الغروب. وتفرز الدموع بغزارة عندما يكون هناك حساسية في العين، ويزداد إفرازها عند البكاء، ويخرج الدمع من الغدة الدمعية بفعل العضلات المحيطة بها عبر مجريين دمعيين يفتحان في الركن الداخلي لكل عين. ويحمي العين من الجهة الأمامية الجفنان الأعلى والأسفل، وينسحب الدمع من الغدة في كل مرة ترمش فيها الجفون. وقد أشار أبو الطيب إلى الحماليق: جمع حملاق، وهو بطن جفن العين الذي لو قلب لبدت حمرته، قال:

أتاهم بها حشو العجاجة والقنا
سنابكها تحشو بطون الحمالق
المعروف أن جفون العين دائمة الحركة والإرماش إلا في حالتي النوم أو المرض، وحركة الجفون تعتمد على الحالة النفسية للشخص أو لحالة مزعجة للعين، قال أبو الطيب:

وجفونه ما تستقر كأنها
مطروفة أو فُتّ فيها حصرم
تتوقف حركة الجفون وينقطع إفراز الدموع ويقف جريان الدم في الجسم عندما يموت الإنسان، قال المتنبي:

رقا دمعها الجاري وجفت جفونها
وفارق حبي قلبها بعدما أدمى
ناظر العين هو النقطة السوداء في وسط سواد العين، وبها يرى الناظر ما يرى، والناظر في العين كالمرآة إذا استقبلتها أبصرت فيها شخصك، والناظر في المقلة السواد الذي فيه إنسان العين. قال أبو الطيب المتنبي:

شامية طالما خلوت بها
تبصر في ناظري محياها
فقبلت ناظري تغالطني
وإنما قبلت به فاها
فليتها لا تزال آوية
وليته لا يزال مأواها
كل جريح ترجى سلامته
إلا فؤاداً دهته عيناه
لقد سبق أن ذكرنا موقع بؤبؤ العين بالنسبة إلى قزحية العين، وأن القزحية هي التي تتحكم في حجم البؤبؤ، وذكرنا أيضا كيفية حدوث الرؤية، ولذا فإننا نعتقد أن المتنبي قد أورد في أبياته السابقة ارهاصات علمية عن ماهية وكيفية رؤية الأشياء، فشامية أبو الطيب رأت في نظره وجهها، فلما قبّلت ناظره فهي في حقيقة أمرها قبّلت فمها، ولذا فهو تمنى أن تظل على قبلتها حتى يظل محياها في ناظره!! معروف أن أشعة الضوء ضرورية للرؤية، وقد ذكرنا أن عدسة العين تقوم بكسر الأشعة الضوئية على شبكية العين بعد أن تخترق المادة الهلامية الشفافة لتظهر الصورة مقلوبة على شبكية العين. قال أبو الطيب المتنبي:

كأنها الشمس يُعيي كفَّ قابضه
شعاعها ويراه الطرف مقتربا
وقال:

سهاد لأجفان، وشمس لناظر
وسقم لأبدان، ومسك لناشق
وقال:

كأن شعاع عين الشمس فيه
ففي أبصارنا عنه انكسار
وقال:

خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به
في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
وقال:

ألم ير هذا الليل عينيك رؤيتي
فتظهر فيه رقة ونحول
وقال:

ويوماً كأن الحسن فيه علامة
بعثت بها والشمس مِنكِ رسول
لقد استخدم أبو الطيب ظاهرة الرؤية في الأنوار - النور - وعدم الرؤية في الظلام، كمثل وحكمة باقية مدى الدهر، فإذا كان الإنسان لا يميز بين الحق والباطل، وبين الغث والسمين، وبين الصدق والكذب، فهو في حاله هذه كمن يملك أداة النظر - العين - ولكن سيان عنده الرؤية في الظلام والرؤية في النور، أي استوت عنده الأنوار والظلم حيث قال:

وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم

منقوووووووووووووووووووووو ووووووووووووووول .