- الإهدائات >> |
الأردن ؟ الزّرقاء
عشر سنوات مرّت على التّهجير القسريّ خارج حدود الجنّة كانت كافية ، لأنّ تصبح عائشة عروسا ، ولأن تطلب يدها في اليوم والليلة أكثر من مرّة ، فعائشة كما تشهد كلّ الجارات قمر ، طول ممشوق ، جسم ممتلئ رشيق ، وجه أبيض مثل بياض الثّلج ، ريّانة مثل فواكه الجنة الّتي قضت فيها سنيّ عمرها الأولى كلام معسول يخرج من فمّ مرسوم كالخاتم ، يُضاف إلى ذلك خفّة دمّ منقطعة النّظير ، أدبٌ يُحلّيها ويطوّقها من كلّ جانب . لا ريب . فهي كما تقول الجارات كاملة الأوصاف . لكنّ الهجرة بترت أملها في التّعليم ، فاكتفى الزّمن أن يكون تعليمها حتّى الصّف الرّابع ، كان حلمها أن تُكمل دراستها ولكن ... كانت أمّها تسلّيها وتقول لها بعد طول عمر تحققّين حلمك في أبنائك وبناتك ، فتبتسم خجلة وتفرّ من وجه أمّها ، كان ابن الجيران أحمد يُلحّ على أمّه أن تخطب له عائشة قبل أن تطير من يده ، فكلّ يوم يدقّ بابها عريس ، فتردّ الأمّ : النّصيب يحكم ، وطوّل بالك ، وكوّن نفسك ، لكنها أمام إصرار ابنها تتقدّم وأبوه لخطبة عائشة ، وجد أحمد قبولا عند الجيران ، وردّت عائشة بالسّكوت علامة على الرّضا ، وبدأ أهل الحيّ يتداولون الخبر، فأحمد الشّاب ابن الرابعة والعشرين يعمل وليس بطّالاً فهو يعمل في الباطون ، ويحصل على ما يؤهلّه للعيش الكريم ، يخرج مع بزوغ الشّمس ، يقف حول دوّار المدينة الّتي نشأ المخيّم على أطرافها ، فيأتي المتعهّدون فيخرج مع أحدهم فيعمل طوال نهاره ، يعرف كيف يحصل على القرش ، أصبح أحمد معروفا عند المتعهدين ، محسودًا من الآخرين ، رزقه بين رجليْه كما يقولون نتيجة نشاطه وجدّه ، محسود لأنّ عائشة محطّ الأنظار عروسه ، محسود لأنّه استطاع إضافة غرفة من صفيح إلى جانب غرفة ذويه في المخيم ، الغرفة الّتي سيتزوّج فيها ويبدأ حياته هذه الأسباب كافية لأنّ يكون أحمد محظوظا كلّ الحظّ ، محسودًا كل الحسد .
وتمّ المراد ، وأعلن يوم الزّفاف ، بعد تجهيز متواضع من قبل العروس ، فهي وأهلها أبصر النّاس بظروف أهل المخيم ، فهي ابنة المخيم ، وإن كانت أحلامها تطير وتحلّق خارجه بعيدًا بعيدًا ، أعلنت الأفراح وبدأ النّاس يتقاطرون على بيت أهل العريس يتسامرون ، الأطفال يلعبون بما لذَّ وطاب ، ويحصلون على حبة حلوى نهاية كلّ سهرة ، والنساء يرددن الأهازيج الشّعبية ، والرجال يحنّون إلى ماض ليس بالبعيد ، ويتحدّثون عن الحلم ، وعن الوعود الّتي تقطعها دول العالم بقرب العودة ، فهذا يقسم أنّه سمع في ( الراديو) في إذاعة لندن أنّ العودة قريبة جدًّا ، وهذ يؤكّد العودة لكن بعد سنتين فالإجراءات مملّة ، ثم يقول أحدهم نحن في الحاضر ، سمّعنا يا ( أبو فلان ) موّال من مواويلك ، واستمرت هذه السّهرات أمام منزل والد العريس أسبوعا من السّبت إلى الخميس وأبو العريس يقول : اترك الناس تفرح ، وتنسى همومها ، ردًّا على من قال له إنّ أسبوعا فترة طويلة .
تمّ الزّفاف ، ودخل الاثنان القفص الذهبيّ ،تصحو مبكرة ليفطر أحمد ، تشيّعه صباحا بنظراتها الحالمة ، ويلهج لسانها له بالدعاء برزق طيب حلال ، وبأن يبعد عنه أولاد الحرام ، وتستقبله عند العودة بابتسامة تسرقها على استحياء من عيون العائلة ، فهم يلتفون حول مائدة واحدة ، وتسرق أحيانا كلمات تردّدها سريعا (( يعطيك العافية )) ، أشهر قليلة مضت ، فمضت بها أمها وحماتها إلى الداية بعد ظهور بوادر الحمل عليها ، فأعلنت الدّاية أنّها تريد البِشارة فعائشة حامل ، وحملها جيّد لا خطر عليه ، أصبحت عائشة ذات دلال أكثر من الجميع ،وأخذ الكلّ ينتظر بكرهما لحظة بلحظة ، يتسليان به ليل نهار ،ضع أذنك تشعر بحركاته ، كثير الحركة ، نشيط مثل أبيه ، جميل مثل أمّه ، خفيف دمّ مثلها لا بل هي أكثر ، كلّ هذه الكلمات يتبادلانها وهو قابع في بطن أمّه ، يؤلفان حوله القصص ، يرسمان له طريقا مليئا بالأمل ،ويتفقان إن كان ولدًا فحقّ التسمية له وسيسمّيه ناظرًا على اسم الوالد طبعا ،وإن كانت بنتا فحقّ التسمية لها وستسميها غادة فهي تحبّ هذا الاسم ،واتفقا على إنجاب سبعة ثمانية أو أكثر ليكونوا عونا لهما وعزوة لبعضهم ، وجاءها المخاض ، واستدعيت الدّاية على جنح طيربريّ ، وبدأ أحمد يأكل أصابعه وينتظر خارج المنزل ، ينتظر البشارة ، ليس المهم ولدًا أو بنتًا ، المهمّ أن تقوم رفيقة روحه سالمة ، وتدبّ الزغاريد أرجاء المنزل وزقاق الحيّ ، وتأتي البشارة ، ولد ، ووعائشة سالمة والحمد لله ، انتهى الانتظار بحلوه ومرّه ،وبدآ حياتهما الجديدة .
التحق ناظر في مدرسة وكالة الغوث ، وبدأ الأهل ينادونه يا دكتور ، والجارات ينادين أمه بأمّ الدّكتور ، فعلامات النبوغ تظهر على محيّاه ، وأصبح ينعت بكلّ نعوت الّذكاء شيء يُفهم وشيء لا يُفهم والمهمّ أنّه نعت وإطراء جميل هكذا تدلّ قسمات من يحكيه ، أصبح في الصف الثّالث وما زال متفوّقًا ، وما زال أبوه يخرج للعمل صباحا ويعود مساء كما الطيور ، يبحث عن رزق حلال وعن قرش يقتات به ، فرزقه يوميّ آنيّ ، وهذا هو رزق العامل يأتي من عناء ، ويذهب كعصفور فتح باب قفصه ، يكّد ويتعبّ ليحصل على كسرة من خبز ، يعلو أساطيح البيوت والعمارات الجديدة ، ويبقى مكانه ،يرى البناء يهاجم كلّ مكان وهو قابع في صفيحه المتهالك ، ولكنّ الأمل لا يفارقه ، فغدًا يغدو ابنه طبيبا ، وينتشله مما هو فيه ، ويعوضّه شقاءه ، في لحظات التّفكير هذه الّتي أطلق العنان فيها لأحلامه هوت رجله وهو يحمل ألواحا خشبيّةً على ارتفاع أدوار ثلاثة فسقط من علٍّ فكان الشّلل مستقبله الّذي كان يخطّط له ،بعدما أوضح الأطباء له أنّ علاجه الوحيد معجزة من السّماء لا غير ، مريرة هي الحياة ، سهلة ممتنعة ، نشعر أنّنا نتملكها ونطبق عليها في أيدينا لكنها سرعان ما تفلت منّا كحصان جامح ، هكذا أصبحت حياة أحمد ، طريح الفراش لا يفارقه إلا لقضاء حاجة وبعد معاونة من الكلّ ، يكابر ويتحمّل كلّ مرار السّنين ، ويبقى أمله في الله ثمّ في ابنه ، ويوصي بأن يكمل ابنه دراسته رغم الظّروف ، وتصرّ أم الدكتور على ذلك ، فتخرج للعمل في بيوت المدينة المحيطة بالمخيّم ، وفي طريق عودتها تجمع ما تجده من قطع بلاستكية ، وعلب فارغة ، وتجمّعها لتبيعها كلّ أسبوع مرّة ، ويأبى لسانها أن ينادي ابنها باسم غير الدكتور ، وكلّها أمل بأن يكون المنجّي بعد الله ، وتكدح نهارها وليلها وتدّخرالقليل القليل الّذي يبقى لدراسة ابنها ، وتنفرج الطّاقة ويظهر من خلالها خيط أمل فابنها قبل في الجامعة في كلية الطّب وفي بعثة على نفقة الدولة ،ويبدأ مشوار آخر أصعب من سابقه فابنها لم تعد القروش القليلة الّتي كانت تُعطيه إياها تكفيه ، ومتطلبات الجامعة أكبر بكثير من متطلبات المدرسة الّتي لا يفارق فيها المخيم ، فحياته في الجامعة مختلفة بتفاصيلها الدقيقة وغير الدقيقة عن حياته الأولى ، ولكن الحلم أصبح قاب قوسين ، فتكدّ وتتعب ، ولكنّ الزّمن خبّأ لها ما لم تكن تفكّر فيه ، أو لا تقبل أن تفكّر فيه ، زوجها المشلول فرح جدًّا بما آل إليه ابنه ، ويحدّثه دائما بأنه ينتظر منه أن يعالجه ، فقد يتوصّل إلى شيء ما ، هذا هو الحلم الذي كان يراوده في أيامه الأخيرة ؛ بعدما قبل ابنه في الجامعة ، ويسأله دائما : ألم يتطوّر الطّب ؟ هل من الممكن أن أشفى ؟ فيردّ ابنه : الأمل في الله . ربّما . هذه الأحاديث كثيرا ما كانت تدور عندما يكون الأب في حال نفسية تسمح له بذلك ، وفي غمرة فرح اقتراب تخرّجه ونيله أوّل حلم خطّطا له في مقتبل حياتهما ، تمتدّ يد القدر ، لتقول لعائشة الحقيقة الّتي لا يحبّ أحد سماعها ، ،تتساءل عائشة : اللهمّ لا اعتراض على حكمك ، لكن لماذ الآن ؟ هذه هي تصاريف الدّنيا وحكمها النّافذ فينا ، عائشة صابرة محتسبة ، أشهرًا ويصبح ابنها دكتورا وتصبّح لأوّل مرة تشعر بلذة مناداتها بأمّ الدّكتور ، لو كان أحمد معنا ، عبارة كثيرا ما كانت تردّدها ، كلما اقترب موعد الحلم ، سنتخلّص من شقائنا إلى الأبد ، ونعوّض ما قاسيناه في هذه الحياة ، عبارات يسمعها أبناؤها منها بشكل شبه يوميّ ، فرحة لا تكاد تفارقها ، عيناها ترقصان فرحا ، شهران وتحضر حفلة تخرّج ابنها ، ستعود من الحفلة وتوزّع الحلوى على الجيران وأهل المخيم كلّه ، لن تقيم حفلة كما كانت تحلم ، فزوجها لم يمضِ على موته إلا أشهر ، تخرج لعملها كعادتها آملة أن يأتي اليوم الّذي تودّع فيه شقاء العمل في البيوت ، تخرج في هذه الأيام أكثر نشاطًا من ذي قبل ، تتمنّى أن تركض الأيام وتعدو ، تنظر صباح يوم من هذه الأيام الجميلة إلى وجهها في المرآة ، فتتذكّر ما كانت الجارات تقول في وصفه ، وترى آثار الزّمن بادية فيه فتسلّي نفسها قائلة : (( بدنا نوخذ عمرنا وعمر غيرنا بكفّي )) وكأن الزمن بالمرصاد يسمعها وهي تناجي نفسها ، فتخرج مسرعة تركض فقد ألهاها كلامها وتأمّلها وجهها في المرآة ، فها هي تقطع الزقاق بسرعة متناهية تحلم وتحلم ، تصل قارعة الطريق المؤدّي إلى المدينة ، والحلم يتجاذبها يأبى أن يفارقها ، صورة ابنها بثوب الطبيب لا تفارق ناظريها ،تسرق ناظريها لوحة كتب عليها الدّكتور ... فتتأمّل اللوحة وتطيل النّظر فيها ، ترى اسم ابنها مكتوبا عليها ، رافقتها هذه الصورة وهي تعبر الشّارع للمرة الأخيرة في حياتها ، ويرتطم جسد كان غضًّا فأعياه البؤس ،بسيارة منهية حلمها ،فيسقط على شارع فظّ لعين ذرعته مرارا وتكرارا ، ربما كانت وقتها لا تكترث لو فارقتها الحياة ، ولكنّها الآن تفارقها وهي في أمسّ الحاجة إليها ، تفارقها وهي لم تمتّع ناظريها بابنها وهو يرتدي ( روب الدكتور)
الله قصه ممتازه ومؤثره و
منها كمان انها نسيت العالم وسرحت مع احلامها التى تحققت واصبح دكتور
تسلم يا حيكو على ردك
قصة مؤثر جداااااااااااااااا
:مر::مر:
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الإجراءات : (من قرأ ؟)
لم يشاهد الموضوع أي عضو حتى الأن.
مواقع النشر (المفضلة)