- الإهدائات >> |
الانخداع بالحياة الدنيا
إذا أجال الإنسان بصره فيما حوله رصد الكثير من أنواع ومن صور الجمال التي تبهج النفس والفؤاد وتسر الأعين وهو يراقب كل هذه الأشياء بإعجاب كبير, فالتصميم الدقيق والدقيقة المصممة بكل جمال في جسم الإنسان. . . ملايين الأنواع من النباتات والزهور الجميلة. . . , انتشار قطع الغيوم الكبيرة وتناثرها على مساحات شاسعة في سماء رحب. . . بالإضافة إلى الكثير من المخلوقات والأشياء التي صممت بشكل دقيق تبعث في النفوس البهجة والسرور. بالإضافة إلى ما تشاهده الأعين فإن هناك حواساً أخرى تمنح الإنسان فرصة الاستمتاع بأشياء أخرى. مثلا حاسة التذوق التي تمنحنا فرصة تذوق الأطعمة المختلفة, وحاسة السمع التي تمنحنا فرصة الاستماع إلى مقطوعة موسيقية عذبة تخترق شغاف القلب, وحاسة الشم التي تجعلنا نشم رائحة وردة عطرة. فكم هو جميل ومبهج أن نشاهد منظر فاكهة متدلية من غصن شجرة وأن نشم رائحتها ثم أن نستمتع بطعمها اللذيذ؟. وكذلك ما نراه من اختلاف الألوان وتناغمها في الأزهار وأشكالها وصورها العديدة الجميلة والتي تمنحنا الإحساس بالبهجة والانشراح والمتعة, وكذلك منظر وجه جميل لإنسان، أو منظر بيت جميل أو سيارة حديثة. . . قائمة يطول الحديث عنها وهي تجعل بني البشر يجرون طوال حياتهم من أجل أن يظفروا بها. ولكن ما أن يلتفت إلى هذه الأشياء بعد مرور فترة من الوقت عليها حتى يقع في حيرة كبيرة لأنه سيرى أن كل هذه الأشياء قد فقدت جاذبيتها وجمالها, وانقلبت إلى حال لا يرغب أحد حتى في إلقاء نظرة عليها.
فالفاكهة اليانعة التي قطفت حديثا من الشجر والتي كانت نضرة وزاهية تفوح بعطر أخاذ نراها بعد فترة وقد فقدت نضارتها وبدأت علامات التلف تظهر فيها، وتبدأ تدريجيا في التعفن وتنبعث منها روائح كريهة. ثم ما بال تلك الأزهار الحمراء التي قطفناها من الحديقة والتي كانت تضفي على البيت جمالا؟ لقد فقدت رونقها ونضارتها بعد أيام معدودات وبدأت تذبل. . لنتأمل وجه إنسان حسن الطلعة فبعد 60 عاما عندما تتطلع إليه ترى أن التجاعيد والخطوط العميقة قد أخذت مكانها في وجهه واشتعل رأسه شيباً حتى لا نكاد نعرفه. وذلك البيت الذي طالما حلمت به تراه بعد سنين وقد أصبح بيتا بالياً, ونفس المصير سيواجه سيارتكم الحديثة حيث ستفقد جاذبيتها بعد بضع سنين، ويكون الصدأ قد انتشر في أجزائها المختلفة. والنتيجة التي نخلص إليها أن كل شيء موجود حول الإنسان يميل إلى الفساد والتحلل والبلى وإلى فقد جاذبيته وجماله وجدته.
قد يعتبر معظمنا هذه الأمور " نتيجة طبيعية أو مرحلة طبيعية" لا غرابة فيها. ولكن توجد هنا دون شك عبرة كبيرة ومعنى عميق. , لأن كل شيء عندما يواجه مصيره من العطب والقدم والتآكل يرسل لنا إشارة ورسالة مهمة هي: إن هذه الدنيا ما هي إلا سراب ووهم وخدعة كبيرة! وأن جميع الموجودات الحية من نبات وحيوان وإنسان مصيره إلى الفناء والزوال, وأن السبب الكامن وراء عدم إدراك هذه الحقيقة لدى الكثيرين منا يكمن وراء ولادة أجيال جديدة من الكائنات تأخذ مكان الذين أدركهم الموت, لذا فإن الإنسان الذي لا يدرك حقيقة الموت نراه يعطي أهمية كبيرة في هذه الدنيا للأشياء الفانية بينما الله تعالى هو صاحب كل شيء ومالكه، والأحياء يحيون ويموتون بإرادته وبقدرته وحسب مشيئته.
وقد حذرنا الله من خلال العديد من الأمثلة الموجودة في القرآن الكريم من الانخداع بزيف هذه الحياة ودعانا إلى التفكير بعمق في هذه الحقيقة:
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرض مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الأنعَامُ حَتَّى إذا أخذ تْ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أنهم قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أو نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
(يونس 24)
فكما تذكر الآية الكريمة فإن كل شيء جميل وحسن, سيأتي يوم يفقد فيه نضارته وحسنه بل حتى يفنى ويختفي من الوجود. ولكن معرفة هذا لا تكفي بل يجب التفكير بعمق في هذه الحقيقة الكبيرة, والله يقول بأنه يضرب الأمثال للذين يفكرون ويتأملون ويتعظون. وبما أن الإنسان كائن عاقل إذن عليه أن يفكر وأن يصل إلى نتيجة معينة من تفكيره. لأن الإنسان الذي لا يفكر ولا يتدبر ولا يعقل ولا يحمل مثل هذه الأوصاف المهمة لا يبقى هناك فرق كبير بينه وبين الحيوانات. ولا يميزه شيء عن سائر المخلوقات الأخرى، لأن هذه المخلوقات الأخرى تتوالد وتكبر وتتكاثر أيضاً وتستمر في الحياة ضمن القوانين التي تسيّرها, وطبيعي فهي لا تفكر كيف ولماذا خلقت, وأنها ستموت يوماً ما, وهي لا تكلف نفسها عناء البحث عن حقيقة هذه الحياة الفانية. وهذا شيء طبيعي بالنسبة إلى مثل هذه المخلوقات لأنها لم تخلق ككائنات مدركة أو صاحبة عقل. لأنها ليست مكلفة في البحث عن غاية الخلق وإدراك سر وجود الخالق, لكن الأمر يختلف مع الإنسان لأنه يكون مسؤولاً عن معرفة خالقه والعمل بما أمره به وهو مسؤول بأن يدرك بأن هذه الحياة ليست دار بقاء، بل هي مجرد دار زائلة يعيش فيها لفترة قصيرة قبل أن ينتقل إلى دار الآخرة. واجب عليه أن يدرك هذه الحقيقة ويبدأ بإعداد نفسه بأن يسلك جميع الطرق التي تجعله ينال مرضاة الله قبل أن يتقل إلى دار الآخرة, ولكن أي تصرف عكس هذا سوف يؤدي به لا محالة إلى مواجهة متاعب كبيرة في الدنيا وإلى عذاب شديد في الآخرة ً.
أمثلة من القرآن حول زوال الدنيا
ضرب الله لنا في القرآن أمثلة عديدة على زوال الحياة الدنيا. فقد استعرض العديد من المجتمعات الإنسانية التي عاشت في السابق وما أصابها من كوارث وما صب فوق رؤوسها من صنوف العذاب. كما أو ضحت الآيات القرآنية الوجه الحقيقي للحياة الدنيا وصاحب الجنة وحواره مع صديقه الوارد ذكرهما في سورة الكهف مثال على هذا:
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أكثر مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أبدا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أو يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا هُنَالِكَ الْوَلاية لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرض فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ( الكهف 32-46)
تشير هذه الآية الكريمة إلى مدى الخطأ الذي يقع فيه الإنسان عندما يغتر بماله وبقوته، وكيف أن الله يستطيع في لحظة واحدة سلب كل شيء عنه. وإلى الحقيقة نفسها تشير آية أخرى:
إِنَّا بَلَوناهم كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِين وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قال أوسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إلى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
( القلم 17-33)
فقد يكون الإنسان غنياً ولا يكون سعيدا بغناه. وقد تكون المرأة حسناء ويكون هذا الحسنُ وبالا ً عليها. قد يكون الإنسان مشهوراً ولكن في يوم ما يعيش وحيداً ثم يموت وحيداً في إحدى الغرف دون أنيس ولا قريب. وقد ضرب الله لنا مثالا لهؤلاء قارون وكان من قوم سيدنا موسى عليه السلام, فهنا يشير الله إلى قارون و إلى الذين على شاكلته ممن خدعوا بزينة هذه الدنيا وهم ظاهراً يؤمنون بالله ولكنهم نسوا الله بانخداعهم بسحر هذه الدنيا.
يقول الله تعالى:
إن قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أو لِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخرة وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرض إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين قَالَ إِنَّمَا أو تِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أو لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أشد مِنْهُ قُوَّةً وأكثر جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُون فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أو تِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيم وَقَالَ الَّذِينَ أوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إلا الصَّابِرُون فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرضٍ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِين وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ تِلْكَ الدَّارُ الآخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(القصص 84 – 76)
وكما رأينا فإن الخطأ الذي وقع فيه قارون لا يتعلق بإنكاره وجود الله, ولكن خطئه يكمن في تحركه
بصورة مستقلة عن إرادة الله وبإحساسه بامتلاك قدرة منفصلة ذاتية, وأن هذه القوة التي منحه إياها الله تعالى قد فسرها على أنها حق طبيعي لإحساسه بتفوقه على باقي البشر. لكن يجب معرفة أن الجميع هم عباد الله، ولا يحق لهم المطالبة بأي حق منه, وأن ما منحه الله لعباده هو فقط ناتج عن الكرم الإلهي وعلى الذين يعون هذه الحقيقة أن لا يتمردوا أمام ما أنعم الله عليهم ولا يعصوا ولا يفرحوا بهذا الشكل المبالغ به لما منحهم رب العالمين من نعم, بل عليهم أن يشكروه وأن يفرحوا بهذا الإحساس, وأن هذا السرور الذي يجب أن يعيشوه هو أعظم وأرفع إحساس في الدنيا.
أما الذين أتخذوا قارون وأمثاله قدوة لهم في حياتهم فسوف يواجهون بالخسران والفشل, و إذا استمروا في عدم الاتعاظ بما أصابهم من محن ومصائب جراء سلوكهم هذا عندها سيكون مأواهم الخلود في نار جهنم, وهذه الحقيقة عبرت عنها هذه الآية الكريمة:
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَ الأولاد كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ
(الحديد 20 )
عجز الإنسان
لقد خلق الله الإنسان على أحسن صورة, ومنحه صفات عليا, وفضله على كثير من مخلوقاته بما وهب له من إمكانية اتخاذ القرارات وإمكانية تطبيق ذلك عمليا، ووضع الخطط واستنباط الحلول إضافة إلى القدرات الذهنية الأخرى.
لكن يا ترى هل فكرتم لماذا يحتاج مثل هذا المخلوق الذي يمتلك كل هذه الصفات العليا إلى بدن خاص لكي يحميه؟ لماذا توجد هناك مخلوقات لا ترى بالعين المجردة بل باستعمال المجاهر الإلكترونية مثل البكتريا والفيروسات التي يمكن أن تسبب ضرراً قاتلا للإنسان؟ لماذا يضطر الإنسان أن يحافظ على نظافة بدنه طوال حياته؟ولماذا يعاني جسم الإنسان من الشيخوخة والهرم؟.
قد يعتبر البعض كل هذه الأمور أشياء طبيعية, فيما نرى أن هناك غاية خاصة لكل شيء تم إستعراضه حتى الآن وقد أو جد الله جميع التفاصيل التي من خلالها نرى عجز الإنسان وضعفه , ففي سورة النساء الآية 28 يسترعي انتباهنا إلى هذه الحقيقة بقوله: ( وخلق الإنسان ضعيفاً. . . . ) أي أن كل هذه الأمور موجودة لكي يعلم الإنسان بأنه خلق ضعيفا ً ويدرك مقدار ضعفه وعجزه أمام رب العالمين, وليعرف بأن هذه الدنيا لا يطول الأنتظار فيها.
فالإنسان لا يعرف متى وأين سيولد وأين ومتى سيموت, وهو مهما عاش حياة سعيدة فإن هناك عوامل يمكن أن تؤثر سلبا ً على سير حياته، وهو لا يملك أي آلية تمكنه من السيطرة على هذه السلبيات.
أجل!. . . إن جسم الإنسان يحتاج باستمرار إلى العناية به والمحافظة عليه لأنه لا يستطيع التكهن بما يمكن أن يتعرض له في هذه الدنيا حتى ولو كان يعيش في أي بقعة من بقاع الأرض سواء أكان يعيش في إحدى المدن الصناعية أم على بعد آلاف الكيلومترات من أقرب مدينة حضرية، أو في مكان يخلو من الماء والكهرباء في قرية نائية، فمن الممكن ومن المحتمل أن يتعرض هذا الشخص إلى مصيبة لم تكن في حسبانه أو يتعرض إلى مرض مميت أو إلى حادث يفقد به قوته أو سلطانه أو أحد أعضاء جسمه الذي طالما كان يفتخر به. إ
وهذا الأمر يسري على الجميع وعلى كل شخص مهما اختلف موقع هذا الشخص من الناحية الاجتماعية أو المادية, بمعنى ان كل شخص سواء أكان راعيا يصحب حيواناته إلى المرعى أو نجما مشهوراً على المستوى العالمي فهو معرض للمرور بتجارب وحوادث تغير مجرى حياته بشكل لا يتصوره.
إن معدل وزن الشخص يتراوح بين 70-80 كغم وهو عبارة عن كتل من لحم وعظم, وهناك طبقة خفيفة من الجلد تغطي هذا اللحم. وهذا الجلد الرقيق إذا تعرض إلى ضربة ظهرت عليه الكدمات، ويمكن أن يخدش ويجرح بسهولة, وهذا الجلد لا يتحمل التعرض للشمس لفترات طويلة، فإذا تجاوز هذا التعرض الحد الطبيعي احمر في البداية الأمر ثم انتفخ. وبإختصار فإن الشخص الذي يتعرض إلى جو حار يجب أن يتخذ احتياطاته اللازمة لكي يحمي نفسه.
لقد خلق الله الإنسان على أحسن صورة وجهزه بنظام متكامل، ولكن الحكمة الإلهية قضت أن يكون
جسم الإنسان عبارة عن لحم ودهن، وهي مواد قابلة للتلف بسرعة، وذلك من أجل إبراز حقيقة فناء هذه الدنيا و بأن هذه الحياة ما هي سوى رحلة قصيرة. و إذا تخيلنا أن جسم الإنسان خلق من مادة أخرى قوية شبيهة بالدرع, حينذاك لا يمكن لأي جرثومة أو فيروس أن يخترق بدنه فلا تصيبه مختلف الأمراض المعروفة. فالمكونات الأساسية لجسم الإنسان هي الدهن واللحم وهي مواد قابلة للتلف بسرعة كبيرة. فإذا قمنا بتجربة وتركنا هاتين المادتين في العراء نلاحظ فساد وتلف هاتين المادتين بسرعة كبيرة. إن الحكمة من جعل اللبنات الأساسية لجسم الإنسان من هذه المواد القابلة للتلف هي إثبات عجز هذا الإنسان وضعفه. إن إحساس الإنسان بعجزه بشكل مستمر هو تذكير دائم من الله تعالى للإنسان. مثال على ذلك نلاحظ كيف إن تيارا هوائياً بارداً يترك آثاراً سلبيةً واضحةً على جسم الإنسان والذي يبين عجز جسم الإنسان. حيث بإمكان هذا التيار البارد أن يشل شيئا فشيئا أجهزة مناعة الجسم الفيزيولوجية.
لهذا فإن تثبيت درجة حرارة جسم الإنسان في مثل هذه الظروف وبصورة مستمرة في حدود 37 درجة مئوية ضروري جدا للمحافظة على صحته(1). ولكن في حالة تعرض جسم الإنسان إلى تيار هوائي بارد جدا فهذا سيؤدي إلى الانهيار التدريجي للجسم.
في البداية تتسارع دقات القلب ويبدأ جسم الإنسان في الارتعاش لكي يدفئ نفسه(2)، فإذا هبطت درجة حرارة الجسم إلى 35 مئوية فهذه علامة خطرة وستؤدي إلى نتائج وخيمة، إذ تبدأ ضربات القلب بالتباطؤ، وينخفض ضغط الجسم, وتبدأ الشرايين( ولا سيما في كل من الأذرع والأفخاذ والأصابع) في التقلص. والملاحظ أنه عند هبوط درجة الحرارة إلى 35 م يبدأ إحساس الشخص بالتبلد ويعاني أيضاً من عدم الدقة في تعيين الاتجاهات ويغلب عليه النعاس ويتشتت انتباهه, كما يعاني من شرود ذهني. وإذا استمر في تعرضه لموجة البرد هذه فترة أطول تهبط درجة حرارة الجسم إلى 33 درجة مئوية, وهذا يؤدي به إلى فقدانه الذاكرة والوعي. وعندها تهبط حرارة الجسم إلى 24 درجة مئوية يتوقف الجسم عن التنفس. وعند درجة حرارة 20 مئوية يتوقف الدماغ وتقف دقات القلب وهذا يؤدي بالنتيجة إلى وفاة الشخص. المثال المذكور أعلاه إحدى الأمثلة, وسوف نتناول في الصفحات القادمة من هذا الكتاب أمثلة أخرى وبشكل تفصيلي توضح عجز الإنسان وضعفه من الناحية الجسدية. إن غايتنا من هذا العرض هو إظهار أن العجز الذي هو صفة من صفات جسم الإنسان يحول دون وصوله إلى الإشباع الحقيقي في هذه الدنيا ويحول دون الجري الأعمى خلف هذه الرغبات الفانية، ويذكره بالحقيقة الواضحة التي لا جدال فيها وهي أن الجنة هي دار البقاء، لذا عليه أن يوجه جل اهتمامه للظفر بها. وفي الصفحات القادمة سنستعرض كيف أن الجنة هي المكان الذي يخلو من جميع أنواع العجز الجسدي وضعفه، ومن كل أنواع النقص والعيوب، حيث سيجد الإنسان هناك كل ما يطلبه ويشتهيه، ويكون بعيدا عن كل ما يعكر صفو حياته من جوع أو عطش أو مرض أو شيخوخة أو تعب. . . . . . . إلخ. إن هذا يظهر حقيقة أن هناك عظمة تفوق الإنسان وان هناك حقيقة واضحة وهي أن الإنسان بحاجة ماسة إلى الله تعالى في جميع الأوقات. ويؤكد القرآن الكريم هذه الحقيقة من خلال آيات عديدة منها الآية الكريمة :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إلى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
(فاطر 15)
الللللللللللللللله عليكى بجد كلامك جميل اووووووووووى تسلمى ياقمر
لااله الا الله
طرح مفيد يامنار شكراااااا لك.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الإجراءات : (من قرأ ؟)
لم يشاهد الموضوع أي عضو حتى الأن.
مواقع النشر (المفضلة)