من الطبيعي أن شخصية مثل خوفو صاحب أكبر بناء شهده العالم القديم، أن
يرتبط بهذه الشخصية مجموعة من الأساطير المختلفة والمتباينة، فمنها من يرتفع بهذا الملك إلي أعلي درجات القداسة، ومنها من ينزل به إلي أسـوأ درجات الرذيلة.

ومن أساطير النوع الأول ما ذكره المؤرخ المصري مانيتون، حيث يتحدث عن خوفو بإجلال، ويقول عنه أنه وضع كتابا مقدسا، وأنه أي الملك خوفو عندما انتهت أيامه علي الأرض، ارتفع حياً بين آلهة السماء، ومن ثم أصبحت له عبادة خاصة به، ومن بعض الآثار يبدو أن عبادة خوفو بالفعل ظلت قائمة إلي بعض العصور المتأخرة، مما يدل علي أن المصريين القدماء اعتبروه من الملوك العظام، وأنهم لم يحملوا له أي نوع من الكراهية، بل كان ممن يذكرهم شعبهم بالخير أمثال مينا وزوسر وسنفرو وأحمس وغيرهم.

وفي العصور التالية لحكم خوفو تحول اسم خوفو إلي تميمة قوية لمن يحملها، وقد عثر علي بعض الجعارين التي كان يحملها المصري القديم كتميمة تحميه وتهبه القوة وعليها اسم هذا الملك.

أما أساطير النوع الثاني فهو ما ذكره هيرودوت قائلا أن مصر كان يسودها نظام تام وبها خير كثير، ثم جاء خوفو وجاء معه البؤس والشقاء علي الشعب، ويذكر أن خوفو أغلق المعابد ومنع المصريين من تقديم الأضاحي للمعبودات، وأمرهم جميعا بالعمل في بناء هرمه، ويضيف هيرودوت أن خوفو بلغ أحط درجات الرذيلة، حتي إنه لحاجته إلي المال وضع ابنته في ماخور وأمرها أن تحصل علي مبلغ معين.

ومما لا شك فيه الآن أن هذا الكلام ليس له أي دليل يؤكده، بل علي العكس فهناك ما يظهر أن خوفو كان ملكا محبوبا من شعبه، وإن كان بعض أفراد الشعب يكرهونه وخاصة كهنة " بتاح "، وهم من ذكروا هذه القصة لهيرودوت، وسبب ذلك بعض الصراعات الدينية التي حدثت في عهد خوفو بينه وبين كهنة " بتاح "، والتي أدت إلي كراهية كهنة " بتاح " له، والتي استمرت حتي وقت زيارة هيرودوت لمصر أي بعد عهد خوفو بحوالي 2000 عام.

أما أشهر الأساطير المرتبطة بخوفو فهي تلك الأسطورة الشعبية الشهيرة القديمة، والمعروفة باسم قصة " خوفو والسحرة "، أو ما يعرف باسم " بردية وستكار "، وقد صورت هذه القصة الملك خوفو وهو جالس مع أبناءه، وهم يقصون عليه واحدا بعد الآخر ما تناهي إلي علمهم من أخبار الماضي وأخبار أصحاب المعجزات فيه، وروت هذه القصة أن الملك خوفو كلما سمع من أبنائه عن معجزة قام بها كاهن قديم أو ملك قديم ترحم علي هذا الكاهن كما ترحم علي الملك، وأمر بأن تخلد لكل منهما ذكراه، وأن تجزل العطايا والقرابين لمقبرته.

ومن أهم مواضيع هذه القصة ما ذكرته من أن أحد أبناء خوفو تحدث إلي أبيه عن ساحر معاصر يعيش في عصر خوفو نفسه، وهذا الساحر الحكيم يدعي" جدي " وتذكر القصة أن هذا الحكيم عامل ابن الملك معاملة الند للند، وأن الأمير عامله بما يليق بمكانه الحكيم وعلمه وسنه.

وأن الحكيم قابل خوفو فطلب منه الملك أن يظهر له قدراته من حيث أنه يستطيع أن يقطع رقبة أي حيوان ثم يأمرها فتعود مكانها مرة أخري، فطلب منه الملك أن يفعل ذلك علي أحد المساجين المحكوم عليهم بالإعدام، فرفض الحكيم طلب الملك قائلا " ليس علي إنسان مولاي الحاكم، وحسبك أن أحدا لم يطلب أداء شئ من ذلك علي هذا الشعب النبيل " فقبل خوفو ذلك وتم ما أراده الحكيم من إجراء التجربة علي حيوان، ونجح فيها فسرّ بذلك الملك سروراً كبيراً.

وتدل هذه القصة أوضح دلالة علي اعتقاد المصري القديم، أن الملك خوفو كان ملكا كريما وافر السخاء، كما كان ملكا تقيا يبجل أرواح أسلافه من الملوك والحكماء، كذلك يظهر منها أن خوفو لم يكن ملكا مستبدا برأيه، حيث أنه أقتنع برأي الحكيم " جدي "، ويظهر من هذا كله أن الملك خوفو كان محبوبا لدي الشعب المصري عامة، وذلك علي الرغم من كل ما قيل عنه من مفتريات المؤرخين وبعض أفراد الشعب في عهده والعهود اللاحقه له