السقوط
مطاطىء الرأس يمشي في الشوارع والأزقة الضيقة ، وكأنه يتحاشى نظرات الناس ..
رفع رأسه الي السماء فوجدها ملبدة بالغيوم ومن حين إلي حين يتخللها وميض برق أو هزيم رعد ، وثمة رذاذ مطر خفيف تلطمه به الريح على وجهه ولكنه لا يبالي ..
انحرف في طريق جانبي مهجور ... توقف وحملق فيما أمامه مشدوهاً ..
فتاه بارعة الحسن أحاط بها طغمة من الأوغاد عابثون يتجاذبونها وهي تقاوم بكل ما أوتيت من قوة ، وما أن رأته حتى صرخت مستنجدة به وكأنما وجدت فيه منقذها ... الأوغاد يتوقفون ويتطلعون اليه في حذر وترقب ..
ينظر اليهم والتحدي يطل سافراً من أعينهم ...
ينظر اليها .. تمد يدها اليه في ضراعة ، ثمة خواطر تتصارع في ثنايا عقله وتحيره .. هل يقدم أم يحجم ؟؟ وأخيراً أشاح بوجهه عنها داعياً في قرار نفسه ألا ينالوا منها !!!
ارتفع صراخها عندما امتدت ايديهم مرة اخرى اليها .. وضع كفيه على اذنية وأغمض عينية في قوة ..
الصراخ يتعالي وهي لا تكل عن المقاومة ...
فجأه لم يعد يسمع شيئاً ...
الصمت يخيم على المكان .. فتح عينيه ورفع كفاه في حذر ملتفتاً اليها وجدها وقد استسلمت تماماً لهم يفعلون بها ما يشائون .. تلاقت عيناها بعينيه .. وجد فيهما بحر من الدموع والقهر والعجز والإستسلام ...
اختفت نظرة النضال والمقاومة ..
وسكت وصمت حتى فرغوا منها وانصرفوا ملوحين بأيديهم لها وله !!
اقترب منها وهي لاتزال مستلقية على الأرض .. اغرورقت عيناه بالدموع وهو يراها عارية .. هم أن يسترها فأبعدت يده عنها في عنف وقسوة ..
سألها : لمذا لم تقاومي ؟
سألته : لماذا لم تنقذني ؟
-كنت سأفعل !!
-متي ؟
-عندما يحين الأوان !!
-بعد كم قرن ؟
-وشرفك ؟
-وقوتك ؟
-ادخرها لوقتها !!
-وان لم يكن هذا وقتها فمتي ؟ قاومت قدر استطاعتي وعندما رأيتك ظننت انك ملاذي الأمين فتخليت عني .
في ألم قال : مجبراً .
ضحكت والدموع تسيل على خدها ولم تجب .. همت بالنهوض فلم تقوى على ذلك .. مد يده لها فنظرت اليه بسخرية مريرة وقالت : الآن تمد يدك لي .. لست بحاجه اليها الآن .
تحاملت على نفسها ونهضت في صعوبة .. ترنحت أمامه .. هم أن يمد يده اليها إلا أنه خجل من نفسه ومنها ..
أخيراً استوت ولملمت ثيابها وسارت أمامه في قوة وكأنها لم تتعرض لمحنة منذ قليل ..
دار على عقبية عائداً من حيث أتى وكأنه يخشي أن تمشي معه في طريق واحد !!
مطاطىء الرأس كما كان
والمطر تزداد قطراته قوة فتهوى على رأسه كالمقارع وكأنها تعاقبه على ما فعل !!!