كيف نتجاوب مع الأزمة؟؟
لا يقدر أحد أن يصمت بعد مشاهدة صور الألم والموت، الدّمار والمعاناة التي تنقلها لنا قنوات الأخبار عمّا يدور في فلسطين وبالتّحديد في غزّة.
فبعد 12 يوماً من دخول القوّات الإسرائيليّة إلى غزّة والاشتباك المتبادَل مع منظمّة "حماس"، وصوت الانفجارات العاتية ورؤية القذائف المتساقطة على المدينة المكتظّة بالسّكان، تقف الكلمات في الحَلق وتعجز الأقلام عن وصف مشاعر الحزن والألم لرؤية كلّ هذا العنف والدّمار. ويدور السّؤال الهامّ في الذِّهن: ماذا يمكن أن أفعل؟ أشعر بمسؤوليّة تجاه ما أراه، فكيف أتصرّف أمام هذا الكَمّ الهائل من البؤس والأسى، الحزن والمرارة على فقد الأحبّاء وفلذة الأكباد، على دمار البيوت وانهيار الآمال. فكيف أتصرّف وماذا أعمل؟.
حَدَثَ وأنا غارقٌ في عُمق أفكاري أن تذكَّرتُ حكمة قديمة قالتها لي جدّتي ذات مرة وأنا صغير خائف إذ قالت: "اسمع يا بنيّ، إنّ الرُّكَب السّاجدة أقوى من الجيوش الزّاحفة". تعجّّبتُ من نفسي، كيف جاءت هذا الكلمات إلى ذهني بعد كلّ هذه السّنوات؟. ولكن إنّها الحقيقة الواقعة، فعادةً نفكّر في أنفسنا وما الذي نقدر أن نقدِّمه من ذواتنا وقدراتنا، وعندما نعجز، نشعر بالفشل والإحباط وننسى الدُّعاء القديم الذي قدَّمه النّبي داود في وقت الأزمة عندما قال: "يَا رَبُّ اصْغَ إِلَى صَلاَتِي وَاسْتَمِعْ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي. فِي يَوْمِ ضِيقِي أَدْعُوكَ لأَنَّكَ تَسْتَجِيبُنِي ". كتاب المزامير 86: 6- 7.
أصدقائي الأعزّاء زوّار موقع معرفة، أدعوكم جميعاً أن نرفع صلاة ودعاء من أجل المنكوبين والمتألِّمين، وأن نسجد ونتضرَّع لله تعالى من أجل الخائفين والغير قادرين. فيستجيب المَولى إلى دُعائنا ويأتي بالعَون والنّجاة للمحتاجين إليه في هذه السّاعة. وتعبيراً عن ثقته واقتناعه، يُكمِل النّبي داود كلمات مزموره بقوله: "لاَ نَظِيرَ لَكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ، وَلَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ كَأَعْمَالِكَ...فَإِنَّكَ عَظِيمٌ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ. أَنْتَ اللهُ وَحْدَكَ".
الأعداد 8 –10.
ولكي نتَّحد جميعاً في الصّلاة والدُّعاء، أودُّ أن أوجِّه أنظارنا إلى عدد من الطِّلبات:
أن نطلب من الله أن يعطي حكمة للقادة والرّؤساء من الجهَتَين.
فالكتاب المقدس يأمرنا قائلاً : "فَأَطْلُبُ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقِيمُوا الطَّلِبَاتِ الْحَارَّةَ وَالصَّلَوَاتِ وَالتَّضَرُّعَاتِ وَالتَّشَكُّرَاتِ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلأَجْلِ الْمُلُوكِ وَأَصْحَابِ السُّلْطَةِ، لِكَيْ نَعِيشَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً كُلِّيَّةَ التَّقْوَى وَالرَّصَانَةِ. فَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ جَيِّدٌ وَمَقْبُولٌ فِي نَظَرِ اللهِ مُخَلِّصِنَا".
رسالة بولس الأولى لتيموثاوس 3: 1-3.
فلنطلب من الله أن يعطي حكمة لصُنّاع القرار في المنطقة، للوصول لقرار سِلمي ووقف الحرب التي يذهب ضحيَّتها الأطفال والعجائز. كذلك نطالب الحُكّام بالنّزاهة في قيادة الشُّعوب ومُراعاة الرَّحمة وعدم الْجور على حقوق الْجار أو التَّضحية بالأبرياء في سبيل تحقيق أهداف فرديّة وذاتيّة.
لنطلب من الله أيضاً أن يُزيل الخوف من القلوب.
كتب النّبي داود المزمور 23 الشّهير، والذي فيه يعلن أنّ الله ذاته هو الذي يرعاه ويحميه ويرشده فلا يحتاج شيئاً آخر سواه، حتّى في وقت الألم والحزن. كتب داود قائلاً : "حَتَّى إِذَا اجْتَزْتُ وَادِي ظِلاَلِ الْمَوْتِ، لاَ أَخَافُ سُوءاً لأَنَّكَ تُرَافِقُنِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا مَعِي يُشَدِّدَانِ عَزِيمَتِي". المزمور 23: 4.
فلنطلب من الله أن يزيل الخوف من القلوب المرتَعِدة ويحلّ بالسّلام والطّمأنينة على كُلّ من يتبعه في ثقة ومحبة وطاعة. لقد عاش النّبي داود أيام النّصر والفرح والبهجة وكذلك اختبرَ أيّام الهزيمة والوحدة والحزن، ولكن في كلّ الأحوال كان يعرف ويَثِق أنّ الله معه يرعاه ويقوده. كذلك السيِّد المسيح الذي وقف وقال عن نفسه: " أَنَا الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ حَيَاتَهُ فِدَى خِرَافِهِ". الإنجيل بحسب يوحنا 10: 11. وقد أثبت صحّة كلامه عندما فدى نفوسنا بموته على الصّليب لكي يخلِّصنا من خطايانا. وهو القادر أن يُزيل الخوف من قلب كلّ من يأتي إليه. ففي وسط الحزن والألم نجد المسيح يسير معنا يشجِّعنا ويرفع الخوف عنّا.
لنطلب من الله أن يعطي عزاءً للحزانى.
أن يفقد الإنسان شخصاً عزيزاً عليه لَهُوَ أمرٌ صعبٌ ومؤلِم. فكم بالأحرى فقدان أسرة بأكملها؟؟. إنّه ألمٌ فوق طاقة البشر ولا تستطيع الكلمات أن تعبّر عن الحرقة والعذاب الذي يمرّ به الذِّهن والقلب. ولكن الله سبحانه قادر أن يرفع الفَجيعة ويبسط سلامه على القلوب الموجوعة. يقول الكتاب المقدَّس عن السيِّد المسيح : "ذَلِكَ لأَنَّ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ الَّذِي لَنَا، لَيْسَ عَاجِزاً عَنْ تَفَهُّمِ ضَعَفَاتِنَا، بَلْ إِنَّهُ قَدْ تَعَرَّضَ لِلتَّجَارِبِ الَّتِي نَتَعَرَّضُ نَحْنُ لَهَا، إِلاَّ أَنَّهُ بِلاَ خَطِيَّةٍ. فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ، لِنَنَالَ الرَّحْمَةَ وَنَجِدَ نِعْمَةً تُعِينُنَا عِنْدَ الْحَاجَةِ".
رسالة العبرانيين 4: 15-16.

فلنطلب من السيِّد المسيح أن يأتي بالعزاء والهدوء والصَّبر لتحمُّل هذه البلايا، والغَلَبة عليها فهو يسمع ويحِنّ ويستجيب.

وأخيراً إن كان لديكم دعاء، أو كلمات تشجيع للأصدقاء في فلسطين، فاكتبوا لنا بتعليقاتكم لننشرها لهم.
والسّلام لكم جميعاً.
احمد عمار